للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولا: نظرية ابن تيمية في المعرفة

[الفطرة الإنسانية وطرق المعرفة]

لا يمكن فهم عملية المعرفة الإنسانية إلا بالنظر إلى الإنسان ومكوناته، ذلك أن تضخيم أحد جوانبه على الجوانب الأخرى يؤدي إلى أخطاء في التصورات ناشئ عن انحراف الفهم.

ويعد تعريف ابن تيمية للإنسان مدخلاً للنظر إلى تفسير كيف تتم عملية المعرفة، لأن الاختلاف الأساسي في رأيه بين الفلاسفة والمتكلمين من ناحية والصوفية والفقهاء من ناحية أخرى يرجع إلى تجزئة القدرات الإنسانية وعدم التصور الصحيح للإنسان كما خلقه الله تعالى. ومن ثم فإن الإسلام جاء مخاطبًا الفطرة الإنسانية كما خلقها الله تعالى باعتبار أن الإنسان حي حساس متحرك بالإرادة - أو أنه علم وعمل، عقيدة وعبادة، معرفة وسلوك، فأثبت ابن تيمية أن الإسلام جاء موافقًا لهذه الثنائية في خلقه الإنسان، فيعلمه بكل ما هو حق ويأمره باتباع المعروف، ويلفت أنظاره إلى الآيات الكثيرة الدالة على وجود الله عز وجل، وعلى حكمته وعدله ورحمته وقدرته وسائر الصفات والأسماء الكاملة له سبحانه، كما أنه لا يأمره إلاّ بالمعروف، ولا ينهاه إلا عن المنكر. ويهتم ابن تيمية ببيان الصلة التي ينبغي أن تكون بين العبد وربه حتى تستقيم الحياة ويسعد الإنسان فيقول: (أما النفس فإن لها قوة الإرادة مع الشعور وهما متلازمان، والنفس تتقوم بمرادها، وهو المعبود، والله سبحانه هو المقصود المعبود وحده لا بمجرد ما تشعر به) (١) .

ويستند ابن تيمية إلى النصوص يفسرها ويشرحها، فالإنسان قد سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله (أصدق الأسماء حارث وهمام) فهو دائمًا يهم ويعمل ولكنه لا يعمل إلا ما يرجو نفعه أو يدفع مضرته. وينطبق ذلك الوصف على من صحت فطرته، فالفطرة السليمة تعرف الحق وتحبه وتطمئن إليه وتكذب بالباطل وتبغضه وتنكره، كما قال تعالى: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) [الأعراف، الآية: ١٥٧] (٢) .


(١) ابن تيمية: النبوات ص ٩٠ - ٩١.
(٢) ابن تيمية: نقض المنطق ص ٢٩.

<<  <   >  >>