للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأن الحصير من سعف النخل وجلود الأنعام بالإضافة إلى صناعة الإنسان الذي يعمله حتى صار حصيرًا، ثم أخذ يردد آيات الله تعالى في هذا الصدد قال تعالى في النخيل: (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ) [الواقعة، الآية: ٧٢] فهو نص بخلق النخل والسعف.

وأما الجلود فقال الله تعالى: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ) [النحل، الآية: ٥] وهذا خلق الجلود وأما الصانع فقال الله عز وجل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ) [ق، الآية: ١٦] فهذا خلق الصانع، فصار الحصير مخلوقًا بنص التنزيل لا بتأويل ولا بتفسير. وسأل بشر: (فهل عندك مثل هذا لخلق القرآن، ما تذكره أو تحتج به وإلا فقد بطل ما تدعونه من خلقه وصح ولم يزل صحيحًا أن القرآن كلام الله غير مخلوق من كل جهة وعلى أي جهة تصرفت) (١) .

ثم دارت المحاولة على النحو التالي:

قال بشر: يا أمير المؤمنين، عندي أشياء كثيرة إلا أنه يقول بنص التنزيل، وأنا أقول بالنظر والقياس. فليدع مناظرتي بنص التنزيل وليناظرني بغيره.

فتعجب المأمون من طريقة بشر في المناظرة وسأله في دهشة (تقول لرجل يناظر بالكتاب والسنة دعهما واخرج إلى النظر والقياس؟ هذا ما لا يجوز؟) (٢) .

[إقامة الحجة بالنظر والقياس]

ولكن عبد العزيز المكي فاجأ المأمون والحاضرين وأبدى تمام استعداده للمناظرة بالنظر والقياس دون الاحتجاج بآية من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسأل بشر المريسي: (تسألني أم أسألك؟ قال: اسأل أنت) وقال مستطردًا: (وطمع في هو وأصحابه وظنوا أني إن خرجت عن الكتاب والسنة لم أحسن أن أتكلم بغيرهما) (٣) .


(١) الحيدة ص ٤٩ - ٥٠.
(٢) الحيدة ص ٥٠.
(٣) والمقصود بالحيدة الانصراف عن السؤال والهروب من إجابته.
وقد استند عبد العزيز المكي إلى واقعتين أحدهما في القرآن الكريم والأخرى فى تاريخ المسلمين. فأما في القرآن فقال الله تعالى في قصة إبراهيم حين قال لقومه: (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ
=

<<  <   >  >>