للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأخلاق جميعًا، فإذا أرادت الأمة أن تأخذ بزمام أمورها من جديد بين الأمم، فعليها باتباع طريقتهم، وهذا معنى قول عبد الله بن مسعود: (من كان منكم مستنًّا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -: كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بدينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم) ويمضي الشيخ في شرح ذلك فيصف الصحابة بالمقارنة بغيرهم بأنهم كانوا أقل الناس تكلفًا، يصدر عن أحدهم الكلمة والكلمتان من الحكمة أو من المعارف، ما يهدي الله بها أمة، وهذا من منن الله على هذه الأمة، ونجد غيرهم يحشون الأوراق من التكلفات والشطحات (١) .

ونرى ابن تيمية محقًا في نظرته، وإذا كان المجال هنا غير مناسب للكشف عن درايته العميقة بأصول التفسير التاريخي، أو ما يسمى بفلسفة التاريخ، إلا أنه كثيرًا ما كان يعالج في مؤلفاته أسباب هزائم المسلمين وطمع أعدائهم فيهم ويعللها بسبب التفرق والاختلاف، وقد أصاب تفسيره إذ شغلوا أنفسهم بالبحث في حقائق توقيفية مصدرها الوحي، فانصرفوا عن العمل والتنفيذ، وكان بوسعهم المضي قدمًا في مجالات العلوم والمعارف النافعة، وكان لعلمائهم جهود لا تنكر في هذه الميادين، كما أسفرت عنه الدراسات الحديثة المنصفة.

والآن نتساءل: هل وفق الأشاعرة في التعبير عن أئمة السلف عقيدة ومنهجًا؟ (٢) . تقتضي الإجابة دراسات متشعبة يضيق عنها نطاق هذا الكتاب، مما اضطرنا إلى اختيار بعض القضايا التي دار حولها النقاش؛ لكي نعرف بالمقارنة مدى التمايز بين المنهجين وهي كما يلي:


١١ (نفس المصدر ص ١١٣ - ١١٤ وأيضًا جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ٢ ص ١١٩.
(٢) سبقنا إلى طرق هذا البحث أستاذنا الدكتور محمد علي أبو ريان بكتابه (تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام) ، وانتهى إلى أن البون شاسع بين موقف السلف ومذهب الأشاعرة من حيث أنه لم يثبت أن السلف قد استخدموا الكلام في شرح العقيدة، أو مالوا إلى التأويل في تفسيرها ص ٢٢٣. مع العلم بأن السلف يرون أن هناك نوعين من الكلام: مذموم وممدوح، وقد نقدوا الأول واستخدموا الثاني كما بينا.

<<  <   >  >>