وشرح ذلك يحتاج إلى مزيد من الإيضاح، نذكره فيما يلي:
[منهج الصحابة في النظر والتدبر]
لقد خاطب الإسلام العقل كما رأينا ودعا الإنسان إلى النظر في آثار مخلوقات الله تعالى، وقد مضى عصر الصحابة في الصدر الأول على هذا المنهج القرآني الواضح كان قدوتهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده في النظر والسلوك، حيث عاشوا معه وشاهدوا التنزيل وسألوا واستفسروا عما يعنُّ لهم من قضايا تحتاج إلى شرح وإيضاح.
وهكذا استمدوا من كتاب الله تعالى معرفة وحدانية الله تعالى، وإثبات صفاته، وعرفوا الأنبياء والرسل عليهم السلام وقصصهم مع أممهم، ووقفوا منه على أصل خلق آدم عليه السلام وعداوة إبليس له ولبنيه وعرفوا مكانة الملائكة وأدوارهم من بين مخلوقات الله تعالى، واستمدوا معلوماتهم عن اليوم الآخر وحساب الله تعالى وجنته وناره والقدر خيره وشره إلى ذلك من القضايا التي تشكل أركانًا رئيسية وأصولاً في الإيمان. وكلها جمعها القرآن الكريم - كما يرى الزركشي - في أقسام ثلاثة: توحيد وتذكير وأحكام. (فالتوحيد تدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله، والتذكير ومنه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الظاهر والباطن، والأحكام ومنها التكاليف كلها وتبيين النافع والضار والأمر والنهي والندب. فالأول: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)[البقرة، الآية: ١٦٣] فيه التوحيد كله في الذات والصفات والأفعال، والثاني:(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات، الآية: ٥٥] . والثالث: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)[المائدة، الآية: ٤٩](١) .
وقد خط لهم القرآن الكريم الاستدلال بمخلوقات الله تعالى على وحدانيته سبحانه وعلمه وحكمته، فإنها جميعًا تبرهن على أن لها صانعًا حكيماً خبيراً تام القدرة بالغ الحكمة، كما دعاهم إلى آثار الصنعة في أنفسهم أيضًا (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات، الآية: ٢١] إشارة إلى ما فيها من آثار الصنعة ولطيف الحكمة
(١) الزركشي: البرهان في علوم القرآن ج ١ ص ١٧ ط الحلبي ١٩٥٧ م.