للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موت المدافعين الأول، وقد ثبت أن خلفاء بني أمية قاوموا هذه التيارات بشدة، قال "القيرواني" (رحم الله بني أمية، لم يكن فيهم قط خليفة ابتدع في الإسلام بدعة) (١) .

أما دولة بني العباس فقد قامت على أكتاف الفرس، وربما حدثت عملية الغزو من جراء فشلهم في هزيمة المسلمين في ميادين القتال فخاضوا معهم هذه المعارك الثقافية لمحاولة تقويض العقيدة، وهذا ما ذهب إليه "ابن خلدون" في مقدمته.

وقد ضخم من أثر ظهور الموالي عامل الجهل باللغة العربية وأسرارها واصطلاحاتها وعدم فهم لسان العرب الجاري عليه نصوص القرآن والسنة، إذ أرجع الإمام الشافعي القول بخلق القرآن ونفي الرؤية وغير ذلك من المسائل إلى الجهل بالعربية، وكان الحسن البصري يقول: (إنما أهلكتكم العجمة) (٢) .

وإزاء هذا كله، ذم السلف علم الكلام المبتدع، وإلى القارئ أسباب ذلك:

[ذم السلف للكلام المبتدع]

تبين لنا مما تقدم أن المسلمين الأوائل من الصحابة والتابعين عارضوا الانشقاقات التي أحدثها البعض، وأظهروا معارضتهم لهذه البدع الطارئة وهي في جوهرها كانت نوعًا من أنواع الغزو الثقافي الزاحف من حضارات وديانات أخرى كان المجتمع الإسلامي عند نشأته في المدينة المنورة محصنًا إزاءها، إذ كان الوحي يتنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان الصحابة يتلقون منه كل ما يحتاجونه في حياتهم الفردية والاجتماعية ويستفسرون عما يعنُّ لهم في العقيدة والعبادات والمعاملات. كما سألوا عن المسائل الغيبية وعرفوا الإجابات عنها من النبي - صلى الله عليه وسلم - كصفات الله - سبحانه وتعالى - والحياة الآخرة والجنة والنار والعذاب والحساب والعقاب والملائكة والجان وغير ذلك من أمور الغيب. والبدعة اصطلاحًا هي: (التعدي في الأحكام والتهاون


(١) السيوطي: صون المنطق ج ١ ص ٤٢. ويربط أستاذنا الدكتور محمد علي أبو ريان - رحمه الله تعالى - بين الغزوين: الحديث والقديم فيقول: (ومن أمثلة هذا الغزو الفكري انقضاض التيارات المادية والوجودية والبراجماتية على الفكر الإسلامي.. وكذلك ما تلقاه المسلمون من فلسفة إسلامية زيفاء لا يزالون يولونها عنايتهم إلى عصرنا هذا) ص ٦ من كتابه (أسلمه المعرفة، العلوم الإنسانية ومناهجها من وجهة نظر إسلامية) دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية ١٩٩٧ م وينظر بحثه بنفس المصدر تحت عنوان: (جناية الفكر الفلسفي الملفق على الفلسفة الإسلامية) ص ٨٠ - ٨٤.
(٢) السيوطي: صون المنطق ج ١ ص ٥٦

<<  <   >  >>