للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو أكثرهم (١) كانوا كفاراً ومشركين وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل ومذهب النفاة الذين يقولون: ليس له صفات إلا سلبية أو إضافية أو مركبة منهما وهم الذين بعث سيدنا "إبراهيم" خليل الرحمن إليهم فيكون الجعد أخذ عقيدته عن الصابئة وأخذها الجهم أيضًا - فيما ذكره الإمام "أحمد" رضي الله عنه - عنه وعن غيره وكذلك "أبو نصر الفارابي" دخل "حران" وأخذ عن فلاسفة الصابئة تمام فلسفته لما ناظر السمنية فرجعت أسانيد الجهم إلى اليهود الصابئين والمشركين والفلاسفة الضالين إما من الصابئين وإما من المشركين. فلما عربت الكتب الرومية زاد البلاء مع ما ألقى الشيطان في قلوب أهل الضلال. ولما كان بعد المائة الثانية انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية بسبب "بشر بن غياث المريسي" وذويه) (٢) .

وقد أرخ "المسعودي" لمراحل انتقال المدارس الفلسفية أيام اليونان من أثينا إلى الإسكندرية ثم إلى إنطاكية ثم إلى حران، متتبعًا انتقالها إلى العالم الإسلامي ذاكرًا الأفراد المهتمين بها، مبينًا أن مجلس تعليم الفلسفة انتهى في أيام المقتدر، وإبراهيم المروزي ثم إلى "أبي محمد بن كرنيب" وأبي بشر "متى بن يونس" تلميذي "إبراهيم المروزي".

ثم علق (المسعودي) بعد هذا بقوله: (وعلى شرح "متى" لكتب أرسطوطاليس المنطقية يعول الناس في وقتنا هذا - توفي المسعودي عام ٣٨٥ هـ - وكانت وفاته ببغداد في خلافة "الراضي"، ثم إلى "أبي نصر محمد بن محمد الفارابي" تلميذ "يوحنا بن حيلان" وكانت وفاته بدمشق في رجب سنة ٣٣٩ هـ) (٣) .

ويبدو أننا إذن أمام غزو ثقافي منظم يريد الكيد للإسلام وأهله، جوبه في بدايته بمقاومة شديدة أيام الصحابة والتابعين كما ظهر لنا آنفًا، ثم ازداد على أثر


(١) وإن كان الصابئ قد لا يكون مشركا بل مؤمنًا بالله واليوم الآخر كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة، الآية: ٦٢] .
(٢) شرح السفاريني ج ١ ص ٢١.
(٣) المسعودي: التنبيه والإشراف ط القاهرة ١٣٥٧ هـ ١٩٣٨ م.

<<  <   >  >>