للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإزاء هذا التصور للإنسان ومكوناته ودوافعه النفسية، لا تكفي المعرفة؛ لأنها تتصل فقط بالقوة النظرية العلمية، بل لكي يقف الإنسان على قدميه مقاومًا الأهواء وهواتف الشيطان ومعوقات سيره نحو الله - تعالى - لا بد له من عبادة الله وحده لا شريك له (والعبادة تجمع معرفته، ومحبته والعبودية له. وبهذا بعث الله الرسل، وأنزل الكتب الإلهية: كلها تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له) (١) .

وبهذا يتبين انحراف قول الجهمية، بأن الإيمان مجرد معرفة الله ففصلوا بين علم النفس وبين إرادتها وجعلوا الكمال في نفس العلم وإن لم يصدقه قول ولا عمل، ولا اقترن مع الخشية، والمحبة، والتعظيم وغير ذلك من أصول الإيمان ولوازمه (٢) .

[الهدى والبينات]

تحدثنا من قبل عن نقد ابن تيمية للمتكلمين لا سيما في ظنهم بأن الصحابة لم يكونوا أهل نظر، واستخدامهم لأساليب كلامية بدعية مخالفة لأساليب القرآن في النظر والاستدلال العقلي.

بينما استدل القرآن الحكيم بالهدى والبيان والأدلة والبراهين وهي تغني عن مناهج النظر التي أسسها أهل الكلام، فإن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأرسله بالآيات البينات، ومن الممتنع أن يرسل الله رسولاً يأمر الناس بتصديقه ولا يكون هناك ما يعرفون به صدقه.

وقال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة: ١٥٩] .

ويفصل ابن تيمية المعاني القرآنية لكلمات البينات والهدى والفرقان كما يلي:

أ - فإن البينات جمع "بينة" وهي: الأدلة والبراهين التي هي بينة في نفسها أي:


(١) ابن تيمية - الرد على المنطقيين ص ١٤٤ - ١٤٥.
(٢) ويلحظ الباحث أن ابن تيمية يشتد في خصومته للجهمية ويحملهم مسؤولية الانحرافات كلها وأنهم أصل البلاء الذي حدث بتفرق المسلمين شيعًا وأحزابًا ويصفهم بقوله فهؤلاء الجهمية من أعظم مبتدعة المسلمين، بل جعلهم غير واحد خارجين عن الثنتين وسبعين فرقة، كما يروى ذلك عن عبد الله بن المبارك، ويوسف بن أسباط (الرد على المنطقيين ص ١٤٦) .

<<  <   >  >>