في أواخر القرن السادس عشر وأوائل السابع عشر وحسب تعبيره الذي أسلفناه قال:(لم يقتصر الأمر على الإحداق بالعالم الإسلامي ولكن أمكن تطويقه تمامًا) ، ثم يستطرد قائلاً:(ووضع الطوق حول رقبة الفريسة) .
ولكن مما يدهشه - وغيره من المؤرخين والباحثين - أن العالم الإسلامي قد استطاع أن يصمد للعدوان الأوروبي طوال القرون من الخامس عشر حتى الثامن عشر ويعزو صموده المذهل إلى ما يصفه (بالاعتداد بالذات التي رسبت في عقل المسلمين الباطن بفعل الأمجاد الرائعة التي حققوها إبان عصور الازدهار الإسلامية) ويدهشنا هذا التعليل - مع وجاهته - إلا أنه يغفل ذكر العامل الأساسي المباشر المتمثل في العقيدة، لا سيما أنه يرى عند بحث علاقة الإسلام - كعقيدة دينية بالحضارة الإسلامية - أن هذه الحضارة قد وفدت مع العقيدة الدينية (١) .
وفي ضوء هذه الأحداث التاريخية حتى العصر الحاضر تتشكل ملامح الفكر الأساسي المعاصر، وتظهر طبيعة القضايا (الكلامية) المثارة.
لذلك يجدر بنا إعطاء فكرة عامة عن حضارة العصر وسماتها البارزة وسنبدأ بتعريف الحضارة.
[ما هي الحضارة؟]
لفظ (الحضارة) من الألفاظ التي اختلف الباحثون حوله، ولعله خضع بدوره للثقافة والبيئة والأحوال الاجتماعية والاقتصادية للمفكرين والفلاسفة الذين قاموا بتعريف الحضارة فكثيرًا ما تعكس الأفكار والنظريات ظروف العصور وأحوالها إما تأييدًا أو معارضة أو تعديلاً ويمكننا طرح وجهتي النظر الرئيسيتين حول تعريف الحضارة كما يأتي:
أحدهها: يعنى بطرق الثقافة والقيم الأخلاقية والآداب والفنون.
الثاني: يعنى بالمنجزات والأعمال التي حققها الإنسان في مجال التشييد والبناء والإنتاج الصناعي والزراعي، أو بعبارة أخرى (التكنولوجيا) أي استخدام النتائج
(١) فؤاد محمد شبل: حضارة الإسلام فى دراسة توينبي للتاريخ ص ٣٩ - ٦١ المؤسسة المصرية العامة - المكتبة الثقافية (العدد ٢١١) ١٩٦٨ م.