للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلها (١) .

واتضحت الفجوة الثقافية بين الحضارتين عندما وقف علماء السنة سدًا منيعًا في وجه الفلسفة اليونانية المعبرة عن غزو ثقافي مضاد للعالم الإسلامي حينذاك.

وفي التنابذ والمعارضة لآثار اليونان الفلسفية، ظهرت المعارضة الشديدة بواسطة علماء السنة والجماعة، وربما شكلت آثار المعارضة للفلسفة اليونانية آثارها في صفحات الكتب وكانت أحد عوامل ظهور الأفكار والاصطلاحات المترجمة كالجوهر الفرد والحدوث والقدم، فضلا عن آثار المنطق الأرسططاليسي، وردود الفعل التي أحدثها بين الآخذين به كالغزالي وغيره من بعض علماء الفقه، والمعارضين له كابن تيمية ومن سبقه من علماء السنة والحديث الذين أعلنوا (أنه من تمنطق تزندق) .

وبوجه عام كان التنافر بين العقيدة الإسلامية والفلسفية معبرًا عن اختلاف بين حضارتين.

يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي: (وإذا رأينا الاتجاه العام لروح الحضارة الإسلامية ينفر نفورًا شديدًا من التراث اليوناني فيحمل عليه حملة عنيفة شعواء هي رد فعل قوي لهذا الروح ضد روح حضارة أخرى شعرنا بما بينها وبينها من تباين يكاد يصل إلى حد التناقض) (٢) .

وفي ضوء هذا التحليل الدقيق تزداد معرفتنا لأسباب معارضة علماء السنة والجماعة لآراء المعتزلة المستمدة من فلاسفة اليونان، ولنفس السبب أيضًا سنرى كيف تكونت معارضة علماء المسلمين للفلسفة الغربية وتصوراتها عندما حدث الالتقاء الثاني الذي بدأ منذ القرن السادس عشر الميلادي في شكل غزوات وحروب استعمارية متوالية ظلت نحو ثلاثة قرون، بدأت بشكل حاسم - كما يذكر توينبي -


(١) آرنولد توينبي: الإسلام.. والغرب.. والمستقبل. ط. دار العربية - بيروت ١٣٨٩ هـ - ١٩٦٩ م ص ١٩، ٢٢.
(٢) د. عبد الرحمن بدوي: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية - المقدمة - ط. دار النهضة العربية بالقاهرة - سنة ١٩٦٥ م.

<<  <   >  >>