للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالسنن واتباع الآراء والأهواء وترك الاقتداء والاتباع) (١) .

وفي ضوء هذا التعريف، يصح بحث أسباب ذم السلف للكلام ورفضهم لما أدخله المتكلمون على البيئة الثقافية الإسلامية من تساؤلات وما بحثوه من قضايا وما استخدموه من مصطلحات طارئة.

ويمكن أن نستخلص هذه الأسباب في ضوء معرفة حقيقة الصراع الذي بدأ في ميدان العقيدة بين الإسلام والتيارات التي أخذت تهب من الخارج والتي استهدفت زعزعة العقيدة في النفوس باعتبارها الحصن المكين الذي يتمكن به الصحابة والتابعون وتابعوهم من خوض المعارك الكبرى والمنتصرة في تاريخ الإسلام.

وتتلخص أسباب ذم علم الكلام فيما يأتي:

أولاً: لقد أغنى الله تعالى المسلمين بكتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتجاء إلى مصادر أخرى لمعرفته عز وجل، أو إثبات توحيده وصفاته وأسمائه الحسنى، فقد أرسل الرسول (وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب: الآيتان ٤٥ - ٤٦] مع تكليفه بالتبليغ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) [المائدة: ٦٧] .

وقد أدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمانة وبلغ الرسالة على خير وجه وأشهد المسلمين على إتمام التبليغ في خطبة الوداع (ألا هل بلغت؟) وكمل إتمام الدين بقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ) [المائدة: الآية ٣]

وهذا يثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يترك أمرًا من أمور الدين - أصوله وفروعه - إلا وقد وضحها وأتم بيانها، بل إنه كان يبلغ كل أوامر ربه - عز وجل - في التو واللحظة ولا يؤخرها (ومعلوم أن أمر التوحيد وإثبات الصانع لا تزال الحاجة ماسة إليه أبدًا في كل وقت ومكان، ولو أخر عن البيان لكان التكليف واقعًا بما لا سبيل للناس إليه، وذلك فاسد غير جائز) (٢) .

ثانيًا: يرى علماء السلف أنه بمسائله واصطلاحاته وأبحاثه يعد من قبيل فضول الكلام الذي لا يفيد الاشتغال به بل إن العمل به مضيعة للجهد والوقت بعد أن


(١) نفس المصدر ص ١٧١.
(٢) صون المنطق ج ١ ص ١٤١.

<<  <   >  >>