للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كفانا الله عز وجل مؤونة العكوف على مسائله بما بين لعباده ما يحتاجون إليه في عاجلهم وآجلهم (أوضح لهم سبيل النجاة والتهلكة وأمر ونهى وأحل وحرم وفرض وسن) .

هذا فضلا عن أننا نعثر في الأحاديث النبوية على توضيحات لكافة المباحث التي خاض فيها المتكلمون، فقد اشتمل الحديث على معرفة (أصول التوحيد وبيان ما جاء من الوعد ووجوه الوعيد وصفات رب العالمين تعالى عن مقالات الملحدين والإخبار عن صفات الجنة والنار وما أعد الله فيها للمتقين والفجار وما خلق الله في الأرضين والسموات من صنوف العجائب وعظيم الآيات وذكر الملائكة المقربين ونعت الصافين والمسبحين) (١) .

ثالثًا: خشية الفتنة بسبب استخدام المصطلحات الكلامية التي لم يأت بها الكتاب والسنة إذ لم يدع الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناس في أمر التوحيد إلى الاستدلال بالأعراض والجواهر فضلاً عما أدت إليه هذه المصطلحات من منازعات وخصومات بين المسلمين لعدم الاتفاق على مدلولاتها وتركيباتها، فأصبح لكل فرقة تشقيقات كلامية تختلف عن غيرها وظهرت الفرقة بين صفوف المسلمين (٢) .

والحق أن أسباب ذم السلف لعلم الكلام لا يمكن تقديرها حق قدرها وفهمها على وجهها الصحيح إلا إذا وضعناها في إطار الصراع الثقافي الحادث في المجتمع الإسلامي عقب وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه وانقضاء دولة الخلافة الراشدة.

ونضرب على ذلك أمثلة من واقعنا المعاصر، فنتساءل: هل يجرؤ أحد في بلاد الاتحاد السوفيتي مثلاً؛ حيث النظام الماركسي، على القيام بالدعوة لنظم الغرب في الحكم والاقتصاد؟ إنه بلا شك سيواجه بتهمة الخيانة العظمى، فإما يعدم أو يطرد من بلاده شر طردة. كذلك فإن أية حركة تقوم في الغرب لمحاولة المساس بالنظام الديمقراطي في الحكم أو الاقتصاد الحر في المعاملات إلا وتواجه بمقاومة عنيفة من الرأي العام.

بمثل هذا نستطيع تقريب فهم ما حدث من معارضة للمتكلمين في عصر


(١) نفس المصدر ص ١٩٤.
(٢) نفس المصدر ص ١٤٢.

<<  <   >  >>