ويسوق لنا التاريخ أيضًا ما فهمه عمر بن الخطاب وابنه رضي الله عنهما وتمييزهما الدقيق بين العلم الإلهي المسبق المحيط بكل شيء وبين أفعال الإنسان التي يؤديها بحريته وإرادته.
وللقارئ هذا المثل الذي يضربه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في شرح الصلة بين العلم الإلهي والفعل الإنساني قال:(مثل علم الله فيكم كمثل السماء التي أظلتكم، والأرض التي أقلتكم، فكما لا تستطيعون الخروج من السماء والأرض، كذلك لا تستطيعون الخروج من علم الله، كما لا تحملكم السماء والأرض على الذنوب، كذلك لا يحملكم علم الله على ما تم) .
وبسؤال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن حالة بعض الناس الذي يزنون ويشربون الخمر ويسرقون ويقتلون النفس زاعمين أن ذلك كان في علم الله تعالى، فغضب ثم قال:(سبحان الله العظيم، قد كان ذلك في علمه أنهم يفعلونها، ولم يحملهم علم الله على فعلها)(١) .
والإجابة توضح نفسها ولا تحتاج إلى مزيد، فإن علم الله تعالى المحيط بكل شيء - لأنه سبحانه بكل شيء عليم - صفة من صفات الكمال، والعلم الإلهي بما حدث ويحدث وسيحدث لا يحمل العباد على أفعالهم.
[الملائكة]
قال جماعة من المفسرين: كان لعمر أرض بأعلى المدينة فكان يأتيها، وكان طريقه على موضع مدارسة اليهود، وكان كلما مر دخل عليهم فسمع منهم وأنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا: يا عمر ما من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أحد أحب إلينا منك، إنهم يمرون بنا فيؤذوننا وتمر بنا فلا تؤذينا، وإنا لنطمع فيك، فقال لهم عمر: أي يمين فيكم أعظم؟ قالوا: الرحمن قال: فبالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدًا عندكم نبيًا؟ فسكتوا فقال: تكلموا ما شأنكم والله ما سألتكم وأنا شاكٌّ في شيء من ديني، فنظر بعضهم لبعض، فقام رجل منهم فقال: أخبروا الرجل أو لأخبرنه، قالوا: نعم إنا نجده مكتوبًا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه