للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحتى لا يدع مجالاً للشك في صحة رأيه لإدخال الطمأنينة والثبات في قلوب المترددين، أعلن لهم في وضوح قاطع (إذا رأيتموني من ذلك الجانب - يقصد التتار - وعلى رأسي مصحف فاقتلوني) (١) .

وقاتل الشيخ مع الجند، حاثًا إياهم على الإفطار في شهر رمضان، لأن الفطر أقوى لهم، وذلك تشبهًا بالمسلمين حين أفطروا عام الفتح تنفيذًا لنصيحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (٢) .

[خلقه]

اتصف الشيخ بمكارم الأخلاق. أما عن حدة الطبع التي توصف بها كتاباته وشدته في نقد المذاهب والطوائف المخالفة للسنة، فهي كرد فعل لشدة خصومه ومخالفيه.

وكان هو على يقين بأنه على الحق بالأدلة الشرعية العقلية.

فالواقع أن الرجوع إلى مراحل حياة الشيخ، والاطلاع على التهم التي كيلت إليه ظلمًا، وما نسب إليه زورًا وبهتانًا (٣) . كل هذا دفع بالشيخ إلى الثورة على المظالم التي أحدقت به.

ويزيد الأمر إيضاحًا ما يحدثنا به عن نفسه فيقول: (فإن الناس يعلمون أني من أطول الناس روحًا وصبرًا على مر الكلام، وأعظم الناس عدلاً في المخاطبة لأقل الناس) (٤) فبم إذن يفسر ثورته وغضبه؟

هنا يجيب قائلاً: (فمتى ظلم المخاطب، لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي أحسن، بل عنف أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عروة بن مسعود بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال: إني لأرى أوباشًا من الناس خليقًا أن يفروا ويدعوك، وأجابه بحدة بالغة الشدة:


(١) ابن كثير: البداية والنهاية ج ١٤ ص ٢٤.
(٢) نفس المصدر ص ٢٦.
(٣) يقول ابن تيمية: (وكان قد بلغني أنه زور عليَّ كتاب) ويقول: (أنا أعلم أن أقوامًا يكذبون عليَّ) ٢٠٧. من كتاب العقود الدرية لابن عبد الهادي.
(٤) محنة الشيخ ص ٤٤.

<<  <   >  >>