للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(أنحن نفر عنه وندعه) ؟ (١) .

وفيما عدا هذا، فقد كان الشيخ متسامحًا، مطبقًا لأخلاقيات الإسلام في العفو وتصفية قلبه من الأحقاد والضغائن، إذ لما انقلبت الأوضاع السياسية وحل الملك محمد ابن الملك المنصور قلاوون، بدلاً من المظفر الجاشنكير بيبرس - وكان يكن للشيخ المحبة والتقدير في بداية حكمه - طلب منه أن يفتي بقتل بعض القضاة - الذين أفتوا بعزله عن الملك أيام الجاشنكير - فأبى، بل دافع عنهم بقوله: إذا قتلت هؤلاء، لا تجد مثلهم بعدهم. فلما ذكره الملك بأنهم سبق أن آذوه وأرادوا قتله مرارًا أجاب (من آذاني فهو في حل) .

وإزاء هذا التصرف، اضطر ابن مخلوف قاضي المالكية إلى الاعتراف بأنه لم ير مثل ابن تيمية، لأنه حرض عليه فلم يقدر عليه، فلمّا قدر عليهم جميعًا صفح عنهم، وحاج عنهم (٢) وهذا صحيح. لأننا لو عقدنا مقارنة بين حديث هذا القاضي بعد أن زال عنه الصولجان، ووصف ابن تيمية له في السجن، لظهر الفرق بين الرجلين، إذ يقول عنه: (وابن مخلوف ولو عمل مهما عمل - والله ما أقدر على خير إلا وأعمله معه.. فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين، ولن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين) (٣) .

فإذا ما انتقل من هذه العلاقة الخاصة مع خصمه القاضي ونظر إلى المسلمين بعامة، فإنه يدعو لهم بالخير في دينهم ودنياهم، ويحب أن يراهم وقد اختفت من بينهم بذور الفتن والخلاف، فلن (ينقطع الدور وتزول الحيرة، إلا بالإنابة إلى الله والاستغفار والتوبة، وصدق الالتجاء، فإنه سبحانه لا ملجأ منه إلا إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله) (٤) .

كذلك يعلن أنه لا يهدف إلى تحقيق غرض دنيوي، ولا يطمع في تحقيق


(١) نفس المصدر والصفحة ١٩، ٢٠ ابن كثير ص ٥٤، ج ١٤.
(٢) ابن كثير: البداية والنهاية ج ١٤ ص ٥٤.
(٣) محنة الشيخ ص ٥٩.
(٤) نفس المصدر.

<<  <   >  >>