للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القضايا الكلامية في العصر االحاضر]

[المشكلات الكلامية في ضوء التفسير التاريخي:]

كانت الموضوعات الآنفة من هذه الدراسة بمثابة إيضاح للمنهج الذي استخدمه الأوائل والسائرون على طريقهم، وقد رأينا كيف اتخذ علماء السلف من القرآن والسنة سلاحًا لحماية العقيدة، وأثبتوا أن هذا المنهج أفضل وأحكم من منهج المتكلمين.

ولكن بعد انقضاء القرون، وابتلاء الأمة الإسلامية بمحن وتجارب استهلكت طاقات ضخمة من قواها البشرية والاقتصادية والعسكرية، وتراوحت خلالها مكانتها الحضارية - التي احتلتها عن جدارة طيلة عدة قرون بين مد وجزر، ثم تحطم أخيرًا في بداية القرن الحالي فقط كيان دولتها بإلغاء الخلافة، وأصبحنا الآن، ربما أكثر اقتناعًا من أي وقت مضى بمخاطر الخلافات وتصارع الفرق الإسلامية وتشتت الجهود وبعثرة القدرات.

وبسبب الثغرات الخلافية الجسيمة ضاعت الأندلس وتسللت الشيعة الباطنية إلى حكم مصر والمغرب والشام والبحرين، وسقطت بغداد تحت سنابك خيل التتار عام ٦٥٦ هـ ثم كانت الخاتمة - لهذا السبب ولغيره من الأسباب - نجاح الاستعمار الغربي في أواخر القرن السادس عشر في عقد الأنشوطة حول المسلمين - كما يذكر أرنولد توينبي - وذلك بفضل غزوه للمحيط، وبعدها ضيق الغرب الأنشوطة في القرن التاسع عشر (١) فإذا أنصتنا إلى صوت آخر، ارتفع من وراء القرن الثامن الهجري وهو ابن تيمية - وجدناه يبرهن في إيجاز على العقيدة المتلقاة عن الأوائل في شمولها وكمالها، أنتجت أجيالا مؤمنة دافعت عنها وعضت عليها بالنواجذ وظهر السر في استمساك أهل السنة والجماعة بها أنهم عرفوا أنها المعبرة عن صدق العقيدة المتلقاة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكل انحراف عنها أو ميل بها ذات اليمين أو ذات اليسار، سيفقدها قوتها في القلوب والصدور، فضلا عن انحرافها عن أصول الإيمان والإسلام


(١) أرنولد توينبي: الإسلام ... والغرب.. والمستقبل ص ١٩ دار العربية - بيروت ١٣٨٩ هـ

<<  <   >  >>