والتطبيق التاريخي لهذه القاعدة يوضح انتصار المسلمين عندما كانت غالبيتهم مستمسكة بهذه الأصول، وبالعكس انهزامهم وانحدار حضارتهم عندما تفشت العقائد الزائغة.
ولتقريب المعنى إلى أجيالنا الشابة، فإن العقيدة هي حجر الزاوية وقطب الرحى لحضارة الإسلام، شأنها في ذلك شأن الأيدولوجية في العصر الحديث، فإن عقيدة المسلمين هي (أيدولوجيتهم بالاصطلاح الغربي) الثابتة الدائمة، بها سادوا، وبها أقاموا حضارة أنارت العالم، وسارت معهم أينما كانوا في عصور مجدهم وانتصاراتهم، وعندما انحرفوا عنها وتركوها وراء ظهورهم انطفأ نور الحضارة، وتقهقروا إلى الوراء، وذلوا أمام غيرهم.
وكانت هذه الظاهرة تتدرج على مراحل للمتتبع لتاريخ المسلمين.
يقول ابن تيمية:(ونجد الإسلام والإيمان كلما ظهر وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيء من الكفر والنفاق ظهرت البدع بحسب ذلك، مثل دولة الهادي والرشيد ونحوهما مما كان يعظم الإسلام والإيمان ويغزو أعداءه من الكفار والمنافقين، كان أهل السنة في تلك الأيام أقوى وأكثر وأهل البدع أذل وأقل)(١) .
وبمثل هذه القاعدة ينتقل إلى النظر إلى تاريخ المسلمين بعامة، فيبرهن ابن تيمية على أن أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - أدعى للعلم والتوحيد والسعادة. ويعني المقارنة بين الصحابة والتابعين لهم، وبين المتكلمين وفلاسفة المسلمين، ويقف أمام الأحداث التاريخية فيعللها بسبب مخالفة الأصول الإسلامية في القرآن والحديث، فيرى أن انقراض دولة بني أمية كان بسبب الجعد بن درهم والجهم بن صفوان، إلى جانب أسباب أخرى أوجبت إدبارها.
ويعني بذلك أن العقيدة عندما خمدت في النفوس وفقدت فاعليتها عما كانت
(١) ابن تيمية: نقض المنطق ص ١٨ - ١٩ وفي منهاج السنة ج ٢ ص ١٤٩ - يقول: (فإن الكفار بالشام وخراسان طمعوا وقت الفتنة فى بلاد المسلمين لاشتغال المسلمين بعضهم ببعض) . وينظر تفسيره التاريخي بكتابنا (قواعد المنهج السلفي فى الفكر الإسلامي ص ١٢٥ (ط. دار الأنصار ١٣٩٦ هـ - ١٩٧٦ م.