للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لدى المسلمين الأوائل، ظهر الضعف في الأمة، إذ تحولت العقيدة الراسخة من قوة محركة ناجمة عن اقتناع عقلي ويقين قلبي إلى أفكار جدلية تتطاول إلى الحديث عن الذات الإلهية ففقدت القلوب الهيبة.

ولما تضاءلت العقيدة في النفوس وأصابها الوهن، تحولت إلى مناقشات وجدل كلامي وفلسفي، وظهر النفاق والبدع والفجور، هان المسلمون على أعدائهم، فغزا الصليبيون أراضي الإسلام، واستولوا على بيت المقدس في أواخر المائة الرابعة (١) وكذلك الأمر بالنسبة لحروب التتار، حتى إن البعض رأى أن هولاكو ملك التتار بمثابة بخت نصر لبني إسرائيل، مستندين إلى تفسير سورة بني إسرائيل التي توعدهم فيها الله تعالى إذا أفسدوا في الأرض (٢) .

ويمضي شيخ الإسلام في تفسير الأحداث التاريخية وفقاً لهذه القاعدة فيذكر أن محنة خلق القرآن كانت بداية لتشجيع القرامطة الباطنية في إظهار آرائهم، بعد ترجمة كتب الفلسفة، ولما رأت الفلاسفة أن المنسوب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته هو هذا القول الذي يقوله المتكلمون الجهمية ومن اتبعهم، ورأوا أن هذا القول الذي يقولونه فاسد من جهة العقل، طمعوا في تغيير الملة، فمنهم من أظهر إنكار الصانع وأظهر الكفر الصريح وقاتلوا المسلمين، وأخذ قرامطة البحرين الحجر الأسود (٣) ولم يقتصر الأمر على انتصار الخصوم في مجال الحروب فحسب، بل امتد الخطب إلى مجال الفكر والعقيدة، لأن فتح باب القياس الفاسد في العقليات بواسطة المتكلمين، شجع الزنادقة على المضي في تنفيذ مخططاتهم، فانتهى بالقرامطة إلى إبطال الشرائع المعلومة كلها، كما قال لهم رئيسهم بالشام: قد أسقطنا عنكم العبادات فلا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة (٤) .

وقبل الانتهاء من هذه اللمحة لموقف ابن تيمية من التاريخ، فإننا نعجب من تفاؤله، بينما كان في وسط ظروف حالكة الظلام، ومع هذا فإنه يقدم تفسيرًا


(١) الفرقان بين الحق والباطل ١٢٠ - ١٢٢.
(٢) ومن ثم الأمثال السائرة (إياك أعني واسمعي يا جارة) ن. ص ١٢٠- ١٢١.
(٣) شرح حديث النزول ص ١٧٣.
(٤) نفس المصدر ص ١٦٩ (وينظر أيضًا ص ١٦٣ و ١٦٥) .

<<  <   >  >>