للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موقف ابن تيمية من القضايا الكلامية

[مقدمة]

ولد تقي الدين بن تيمية يوم الاثنين عاشر من شهر ربيع الأول سنة ٦٦١ هـ في حران ونشأ في بيت علم أتاح له الاطلاع إلى التراث الإسلامي واستيعاب علوم المسلمين، فبزَّ علماء زمنه لتفرده بالإحاطة الشاملة دونهم بأغلب هذه العلوم - كالتفسير واللغة وحفظ السنن والآثار، وعلم الفقه والتاريخ، والفلسفة وعلم الكلام وغيرها. وقد ساعدته مواهبه العقلية على بلوغ مرماه إذ كان يتمتع بذكاء حاد وحافظة متميزة استطاع بهما أن يفهم ويعبر عن أعوص المسائل في الفلسفة والمنطق وعلم الكلام وأصول الفقه بحيث ارتفع إنتاجه العلمي إلى مصاف المتخصصين في هذه الفروع كلها كما يذكر مترجموه، إلى جانب خصائص أخلاقية تتمثل في النهم والتشوق للمعرفة وقوة الجلد والصبر على قراءة ما يشبه الموسوعات، بحيث مكنته من استحضار النصوص وقت الحاجة والاستشهاد بها وتأييد صحة آرائه.

ويضاف إلى ذلك انقطاعه للعلم انقطاعًا تامًا فلم تشغله صاحبة ولا ولد، ولم يحل دونه منصب أو يعوقه سعي لطلب مال أو جاه لزهده وتقلله في معيشته. وعندما اضطهد وسجن، بسبب آرائه الجريئة التي ساقته إليها اجتهاداته المدعمة بالأدلة، انتهز فرصة سجنه واستمر في القراءة والبحث إلى أن أجبر في فترة سجنه الأخيرة عن التخلي عن أدوات الكتابة.

ومن أخلاقه الشخصية الدقة والأمانة في رواية النصوص المنقولة من مصادرها المختلفة؛ فحفظ لنا صفحات كاملة من كتب تعد في حكم المفقودة، مع شجاعته في إعلان رأيه مهما قوبل من صنوف الاضطهاد بسببها، وخوضه المعارك الحربية في مواجهة التتار وقيامه بحث الأمراء على مقاومة حروبهم مهما كلفهم ذلك من نفوس وأموال.

ولقي العنت بسبب خصومته لعلوم الكلام والطعن في شيوخ الصوفية ونقد آراء بعض الفقهاء، كما انتقد مظاهر الاضطراب والضعف في عصره لأنه عاش وسط جو صاخب مليء بالحروب الخارجية ومظاهر التشتت والاختلاف في الداخل

<<  <   >  >>