ولكن بشرًا أصر على موقفه بالاعتقاد أن الله تعالى أحدث الأشياء بقدرته ولم يقر بالفعل الذي كان عن القدرة.
وهنا اضطر عبد العزيز لإشراك المأمون في المحاورة، فقال:
(يا أمير المؤمنين، قد قال بشر: إن الله كان ولا شيء، وإنه أحدث الأشياء بعد أن لم تكن شيئًا بقدرته، فقلت أنا: أحدثها بأمره وقوله عن قدرته) .
فقال المأمون: قد حفظت عليكما قولكما.
فقال عبد العزيز:(يا أمير المؤمنين لن يخلو أن يكون أول خلق خلقه الله بقول قاله وبإرادة أرادها، وقدرة قدرها) .
واستمر في شرح معتقده، إذ ترتب على المقدمة السابقة أن ههنا إرادة ومريدًا، وقولاً وقائلاً ومقولاً له، وقدرة وقديرًا ومقدوراً عليه، وذلك كله متقدم قبل الخلق وما كان متقدمًا قبل الخلق فليس هو من الخلق في شيء.
وكان سكوت بشر يدل على أنه أفحم فلم يجد جوابًا فقال عبد العزيز: وقد كسرت والله قول بشر ودحضت حجته بإقراره بلسانه بالنظر والمعقول، ولم يبق إلا القياس. وأنا أكسره بالقياس إن شاء الله تعالى، فقال المأمون: هات وأوجز قبل خروج وقت الصلاة (١) .
ثانيًا: إثبات أن القرآن كلام الله بمنهج القياس:
واستخدم عبد العزيز المكي المنهج القياسي في إثبات أن القرآن الكريم كلام الله تعالى وليس شيئًا مخلوقًا، وكانت دوافعه للعودة مرة أخرى إلى هذا الموضوع أن يثبت صفة الكلام، فإذا تم ذلك أثبت باقي صفات الله تعالى قياسًا عليه.
وبدأ عبد العزيز بتوجيه كلامه إلى المأمون، قال:
يا أمير المؤمنين، لو كان لبشر غلامان وأنا لا أجد لهما خبرًا من أحد من الناس إلا من بشر، ويقال لأحدهما: خالد، وللآخر: يزيد، وكان بشر غائبًا عني بحيث لا أراه فكتب إلي بشر ثمانية عشر كتابًا يقول في كل كتاب منها:(ادفع إلى غلامي هذا الكتاب) وكتب إلي أربعة وخمسين كتابًا يقول: (ادفع إلى يزيد هذا