للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان بكلمات القرآن أفضل، لأنها نفس أساليب الرسل في مناقشة الأمم الذين بعثوا إليهم (١) ، والأمثلة كثيرة: منها أن الله تعالى قد أخبر عن قوم نوح وإبراهيم ومجادلتهم للكافرين (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا) [هود، الآية: ٣٢] وعن قوم إبراهيم (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ) إلى قوله: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) [الأنعام، الآيات: ٨٠ - ٨٣] كما فصل محاجة إبراهيم عليه السلام للنمرود.

وأيضًا فإن الدارس للقرآن المتدبر لآياته يلتقي مع مناظرات متعددة للكفار والاحتجاج عليهم بالأدلة العقلية الكافية والشافية، وأن الله تعالى أمر بالجدل بالتي هي أحسن فقال: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت، الآية: ٤٦] وقال سبحانه: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل، الآية: ١٢٥] .

رابعًا: إن آيات الله السمعية والعقلية والعيانية كلها متوافقة، فلا تعارض إذن بين أدلة الشرع وأدلة العقل (٢) .

وربما كان أكثر ما أثار شيخ الإسلام ابن تيمية هو اعتبار المنهج الذي اختصته الأشاعرة لأنفسهم أفضل من منهج السلف، فاعتبروا طريقة السلف أسلم وطريقتهم هم أعلم وأحكم، ولا شك أن مثل هذا الشعار يؤدي إلى تفضيل الخلف على السلف في العلم والبيان والتحقيق والعرفان، ويصف السلف بالنقص في ذلك والتقصير فيه، أو الخطأ والجهل، ويؤدي إلى الزعم أيضًا بأن (أهل القرون المفضولة في الشريعة أعلم وأفضل من أهل القرون الفاضلة) (٣) .

لذلك بذل ابن تيمية المحاولات تلو الأخرى في كتبه ومناقشاته لإثبات أن السلف كانوا أهل نظر ودراية إلى جانب كونهم أهل نقل ورواية، وأنهم آثروا عدم تضييع جهودهم وأوقاتهم في محاولات عقيمة؛ إذ رأوا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الكفاية، وأقاموا البناء كاملاً في العقيدة والشريعة والعبادات والنظم


(١) نفس المصدر ص ١٥٧.
(٢) نفس المصدر ص ٣٠٣.
(٣) ابن تيمية: نقض المنطق ص ١٢٨.

<<  <   >  >>