الفرق الإسلامية انقسامًا كبيرًا وتضخمت المشكلات الكلامية والفلسفية، وتوقفت الاجتهادات الفقهية فشاع التقليد والتعصب للمذهبية الضيقة، كذلك عانى المسلمون الأمرين بسبب آثار حروب طاحنة متوالية بسبب الحروب الصليبية وغزوات التتار، فتنبه الشيخ السلفي إلى صلة العقيدة بالواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي، بل أرجع هذه الحروب إلى تراخي العلاقة بين المسلمين وعقيدتهم، وبسبب تفرقهم وتنازعهم.
وكان نفوذ الأشعرية هو السائد آنذاك، فأثاروا مع ابن تيمية عدة مناقشات تتعلق بأصول الدين، واجتاز بسببها المحن تلو المحن، وكانت دوافعه تنبيه المسلمين إلى منهج السلف، بعد أن قام بدراسة نتائج شيوخ الأشاعرة، وهاله أن يجد اختلاط الكلام بالفلسفة اليونانية، واستخدام الحدود والأقيسة المنطقية الأرسطية، فوقف ابن تيمية ليدافع بشدة عن قضية موافقة الشرع للعقل، ولم يدع لنفسه تجديدًا - مع أنه كذلك - وعكف على قراءة واستيعاب مئات المؤلفات لعلماء الحديث والسنة قبله، وأخذ يدعم منهجهم ويشرحه لمعاصريه، مستخدمًا اصطلاحات المتكلمين والفلاسفة أيضًا، معالجًا لكافة القضايا المثارة، فاهمًا بعمق للمنهج السلفي ومدافعًا عنه بكافة الأساليب المتاحة، فضلا عن إبرازه لأحد سمات الإسلام البارزة بشموله وسعة دائرته لأمور الدين والدنيا، ولا بأس هنا من الإشارة بصفة عاجلة لأهم القواعد التي استند إليها، قبل أن ننتقل لعرض منهجه بالتفصيل، وهي:
أولاً: أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيًا: أصحاب القرون الأولى هم الأفضل مستندًا إلى قول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)[التوبة، الآية: ١٠٠] ، وحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - "خير القرون الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وتفسير ذلك أنه رضي عمن اتبعهم بإحسان، وذلك متناول لكل من اتبعهم إلى يوم القيامة (١) .
ثالثاً: إن الأولى استخدام طرق القرآن في الحجاج والجدل، والتعبير عن حقائق