للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صفوف المعتزلة، وكان يظن بحكم ثقافته ونشأته وتكوينه بافتراق طريقي العقل والنقل، وأن دوره يقتضي الجمع بينهما، وكان حريصًا على الارتباط بأهل السنة والحديث في شخص إمامهم أحمد بن حنبل ولذلك ذيل مقالتهم في كتابه (مقالات الإسلاميين) بقوله: (وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبه نستعين، وعليه نتوكل، إليه المصير) (١) .

وظل المذهب الأشعري ينتقل من طور إلى آخر بواسطة شيوخ المدرسة، كالبلاقاني [[كذا في الأصل، والصواب: كالباقلاني.]] والجويني والشهرستاني والغزالي والآمدي والرازي. وما زال يلقى قبولاً وتأييدًا لدى الغالبية العظمى من المسلمين، فلسنا بإزاء قضايا تاريخية انقطعت صلتهم بها بل ما زالت تلقى اهتمامًا في دوائر الفكر الإسلامي المعاصر أيضًا. ويقابلها الاتّجاه السلفي المتصل بابن تيمية. ويقول الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق:

(أما النهضة الحديثة لعلم الكلام فتقوم على نوع من التنافس بين مذهب الأشعرية ومذهب ابن تيمية. وإنا لنشهد تسابقًا في نشر كتب الأشعرية وكتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ويسمي أنصار هذا المذهب الأخير أنفسهم بالسلفية، ولعل الغلبة في بلاد الإسلام لا تزال إلى اليوم لمذهب الأشاعرة) (٢) .

ومع تقديرنا البالغ لعلمائنا الذين بذلوا الجهد الكبير وأفنوا أعمارهم في خدمة الإسلام عقيدة وشريعة، ورغبتنا في التوحيد والتآلف بين الصفوف، نرى أن إسهامنا في توضيح مذهب أهل السنة والحديث - وابن تيمية واحد من أبرزهم - يعبر عن اقتناع بتفضيل منهج السلف لاتصاله الوثيق بالقرآن والحديث والكشف عن الطرق العقلية بهما، وهما لا شك باقيان أبدًا، وينبغي أن يكونا دائمًا جامعين للمسلمين.

ولعل الدور الذي قام به شيخ الإسلام ابن تيمية يوضح أكثر من الإمام الأشعري التقاء المعقول بالمنقول، بل التحامهما، وذلك بسبب بيئته الثقافية وتكوينه العلمي ومواهبه الذهنية والقضايا المثارة في عصره؛ فقد عاش في زمن انقسمت فيه


(١) مقالات الإسلاميين ج ٢ ص ٣٢٥.
(٢) الشيخ مصطفى عبد الرازق: تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ص ٣٩٥ ط لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة ١٣٦٣ هـ - ١٩٤٤ م.

<<  <   >  >>