بالبصرة، في يوم الجمعة مناديًا بأعلى صوته (من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه نفسي. أنا فلان ابن فلان.. كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا يرى بالأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع)(١) .
ولن نخوض في الدراسة التفصيلية لآراء الأشعري وأئمة المذهب بعده، فإن المؤلفات العديدة قديمًا وحديثًا قد كفتنا مؤونة ذلك، ولكننا سنشغل أنفسنا ببيان أهم الموضوعات التي كانت مثار مناقشة بين الاتجاهين البارزين في دائرة علم الكلام عبر قرون طويلة ممتدة حتى عصرنا الحاضر، وهو السبيل لتوضيح المنهج عند كل منهما ونعني بذلك الاتجاهين:
المذهب الأشعري بإمامه أبي الحسن الأشعري، والسلفي بإمامه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبالرغم من أنهما ليسا متعاصرين، إلا أنهما استأثرا بجذب علماء المسلمين وعامتهم منهجيًا وعقائديًا، ولكن الفرق بينهما أن الأول كما قلنا نشأ في بيئة الفكر الاعتزالي ثم خرج عليه مفضلاً التأويل في أغلب آرائه - ثم روي أنه رجع في نهاية حياته إلى اعتناق مذهب الإمام أحمد بن حنبل - ولكن الثاني، أي: ابن تيمية، وإن عاش في العصور المتأخرة - خلال القرن السابع - الثامن الهجري (مولده ٦٦١ هـ ووفاته ٧٢٨ هـ) ، إلا أنه استمسك بمنهج الأوائل منذ الصحابة والتابعين - فضلا عن أدلة الكتاب والسنة - مدافعًا عن الإسلام بعامة، وأصوله بخاصة بأسلوب الحجاج العقلي، مؤكدًا اتفاق الأدلة العقلية مع الأدلة الشرعية، وظهر أثره الإيجابي في كثير من رجال الفكر والدعوة في العصر الحديث كمحمد بن عبد الوهاب والأفغاني ومحمد عبده وابن باديس ومحمد إقبال وغيرهم.
أما منهج الأشعري، فقد كان نتاجًا للنزاع العميق الذي تفجر بين المعتزلة وعلماء الحديث والسنة في عصره، وبدأ محاولاته الجدلية الكلامية بعد انفصاله عن
(١) ابن النديم: الفهرست ص ١٨١ لييسك ١٨٧١ م تحقيق فلوجل وكان الأشعري شديد المعارضة للمعتزلة بعد خروجه من صفوفهم ومن مظاهر ذلك أنه كتب مدللاً على كفر النَّظَّام، فروى البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق) ذلك بقوله: (ولشيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله في تكفير النظام ثلاثة كتب) ص ١٣٣ بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ط مكتبة محمد علي صبيح بالأزهر.