للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولأفكار المعتزلة مظهر براق كالذهب المزيف يجذب بظاهره العيون، ولكن سرعان ما يظهر بريقه الزائف لمن يتعمق في فهمه، فإذا دققنا في فهم أصولهم واحدًا فواحدًا، تحليلاً لها ومقارنة لهما يقابلها من عقائد أهل السنة والجماعة، ظهر لنا زيف بريقها.

(١) التوحيد:

ومرادهم بالتوحيد نفي صفات الله تعالى، وقد أورد عقيدتهم كاملة أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين) ، ومنها نعرف بعض ما ذهبوا إليه في هذا الأصل، إذ أجمعوا على أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان ولا تجوز عليه المماسة ولا الحلول في الأماكن، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له، لم يزل أزلاً، أولاً سابقًا للمحدثات، موجودًا قبل المخلوقات، ولم يزل عالمًا قادرًا حيًا ولا يزال كذلك لا تراه العيون ولا تدركه الأبصار.

ويمضى الأشعري - وهو خبير بعقائدهم لأنه كان معهم طوال أربعين عامًا فينقل لنا كل ما قالوه في (التوحيد) ، ويكفي من الاطلاع عليها معرفة الألفاظ والمصطلحات الفلسفية، فضلاً عن استخدام أوصاف غير لائقة تجعلنا ندرك خلو القلوب والنفوس من الهيبة التي استشعرها المسلمون الأوائل، ونفهم أيضًا التعليق المنسوب "للجنيد" القائل: (نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب) . وربما عنى بذلك مثل: إطلاقهم المترادفات الآتية (وليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة، ولا لحم ولا دم.. إلى قولهم: ولا بذي حرارة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق.. الخ) (١) .

وغيرها من الألفاظ التي تتنافى مع أدب الحديث عن رب العالمين - جل شأنه - ومن هنا نفهم حكمة سكوت السلف الصالح عن مثل هذا الكلام واكتفائهم بالقرآن العظيم، وهو دليل على عمق الإيمان والعناية الفائقة بكتاب الله - تعالى -


(١) الأشعري: مقالات الإسلاميين ج ١ ص ٢٣٥.

<<  <   >  >>