للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلاوة وحفظًا وعملاً فأيقنوا أنه يغنيهم عن كل ما سواه.

والمفهوم من (التوحيد) عند المعتزلة أنهم يعنون به إثبات وحدة الذات الإلهية فنفوا الصفات ظنًا منهم أن إثباتها يؤدي إلى الشرك وأنكروا رؤية الله تعالى في الآخرة وعن هذا الأصل أيضًا تفرع قولهم في القرآن بأنه محدث، مخلوق. وقد وقف لهم علماء السنة بالمرصاد ودحضوا عقيدتهم بالحجج العقلية وشكلت مجادلة الإمام أحمد معهم أهم سند لعقيدة أهل السنة والجماعة.

نقد المعتزلة:

ظن المعتزلة أنهم بنفي الصفات الإلهية يؤكدون عقيدة التوحيد، ويتحاشون التشبيه والتجسيم والحشو، ووصفوا من خالفهم بهذه الصفات، وهم أول من رموا مخالفيهم بهذه الصفات. ويرى "ابن تيمية" عند نقده لهم أن الأسماء التي يتعلق بها المدح والذم من الدين لا تكون إلا من الأسماء التي أنزل الله بها سلطانه ودل عليها الكتاب والسنة والإجماع كالمؤمن والكافر والعالم والجاهل والمقتصد والملحد، فأما هذه الألفاظ الثلاثة فليست في كتاب الله ولا في حديث عن رسول الله ولم ينطق بها أحد من سلف الأمة وأئمتها نفيًا ولا إثباتًا.

ولذلك أصبح التوحيد عندهم مصطلحًا يعنون به نفي جميع الصفات الإلهية، وكل من أثبت شيئًا منها رموه بالتجسيم والتشبيه حتى أن من قال (إن الله يرى) أو (إن له علما) فهو عندهم مشبه مجسم (وأما التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب فليس متضمنًا شيئًا من هذه الاصطلاحات بل أمر الله عباده أن يعبدوه وحده لا يشركوا به شيئًا فلا يكون لغيره نصيب فيما يختص به من العبادة وتوابعها - هذا في العمل، وفي القول: هو الإيمان بما وصف به نفسه ووصفه رسوله - صلى الله عليه وسلم -) ولا بد من التوحيد بالقول والكلام - وهو أن يصفوا الله بما وصفته رسله وهذا وحده لا يكفي في السعادة، والنجاة في الآخرة، بل لابد من أن يعبد الله وحده، ويتخذه إلهًا دون سواه وهو معنى قول (لا إله إلا الله) .

إن هذا الفصل بين العلم والعمل وترجيح جانب على آخر، وإثارة الجدل في قضايا مستقرة، كل هذه الأسباب قربتهم من الفلاسفة، وحولت العقيدة النابضة بالحياة إلى نظريات يدور حولها النقاش وتختلف عليها وجهات النظر بين أخذ ورد.

<<  <   >  >>