للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأحاديث وسردها وحفظ مذاهب الناس بلا كلفة) ويصفه بأنه كان معدوم النظير في زمانه، رأسًا في الفقه وأصوله (١) .

أما والده فإنه (أتقن العلوم وأفتى وصنف وصار شيخ البلد بعد أبيه.. كان محققًا كثير الفنون، وكان من أنجم الهدى، وإنما احتفى من نور القمر وضوء الشمس ويشير الذهبي في هذا الوصف إلى كل من أبيه وابنه) (٢) .

وتلقى شيخنا الفقه والحديث والعلوم الأخرى، وكان مضرب المثل في قوة الحفظ والذكاء، كما استطاع أن يستوعب ثقافة العصر كما قلنا ويجيدها ويحاجج أهلها عن مقدرة ودراية. يصفه تلميذه الذهبي بأنه (برع في الرجال، وعلل الحديث وفقهه، وفي علوم الإسلام وعلم الكلام، وغير ذلك.

وكان من بحور العلم والأذكياء المعدودين والزهاد والأفراد. وسارت بتصانيفه الركبان، لعلها ثلاثمائة مجلد) (٣) .

وكان عصره يموج بالتيارات السياسية العنيفة، فإن حروب التتار التي بدأت تغزو البلاد منذ عام ٦١٦ هـ - ١٢٢٩ م، وظلت أمواجها تتلاحق دفعة وراء الأخرى عبر السنوات الطويلة حتى سنة ٦٨٠ هـ - ١٢٨١ م حيث وصلت إلى حماه، واشترك ابن تيمية بنفسه في إحدى المعارك. إلى جانب صراع المماليك على السلطة في الداخل.

وكان سقوط بغداد عام ٦٥٦ هـ - ١٢٥٧ م على أيدي التتار هو النتيجة الطبيعية التي تمخض عنها ضعف الدولة العباسية، لأنها بدأت منذ أواخر القرن الرابع، وأوائل القرن الخامس (وكأنها جدار يريد أن ينقض وكان لا بدّ لها أن تنتهي إلى إحدى النهايتين: إلى الانحلال التام والفناء أو اليقظة والإحياء) (٤) . ولكن مع الأسف


(١) الألوسي: جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ص ١٨.
(٢) نفس المصدر ١٩.
(٣) الذهبي: تذكرة الحفاظ ج ٤ ص ٢٨٨ وقد لاحظ لاوست وحده النظرة الدينية عند ابن تيمية في وقتها ودوامها (حيث كانت الأفكار التي عرضها في مطلع فجر تأليفه هي نفس الأفكار التي تناولها شرحًا وتفصيلاً في سائر تواليفه المتأخرة) ص ٨٣٥ من كتاب أسبوع الفقه - ابن كثير - البداية ج ١٣ ص ٨٣.
(٤) د. جمال الدين الشيال: تاريخ الدولة العباسية ص ٨٩.

<<  <   >  >>