للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>


=
بالمحنة بعد أن أفحم أحد الشيوخ القاضي ابن أبي دؤاد في جدال دار أمام الواثق - كما سيأتي.
وابن أبي دؤاد أحد القضاة المشهورين من المعتزلة، نشأ بدمشق ومنها رحل إلى بغداد، وهو أول من افتتح الكلام مع الخلفاء. كان بليغًا، جواداً، عارفًا بالأخبار والأنساب، ولكنه أثار أهل السنة عليه بموقفه في المحنة، يقول الخطيب البغدادي: (لولا ما وضع من نفسه من محبة المحنة لاجتمعت عليه الألسن) ، وذلك لأنه اتسم بكريم الخصال، فقد كان موصوفًا بالجود والسخاء وحسن الخلق ووفور الأدب.
أصيب بالفالج قبل موته بأربع سنين، ونكب وأهين، وظلت عداوة أهل السنة ثابتة في صفحات الكتب عند الحديث عنه. وظهرت عداوة الغالبية له في مرضه الذي مات فيه، وكأنما كان مناسبة لإظهار الحنق عليه والازدراء به. وربما كان ذلك دليلاً على ما أثاره من السخط في النفوس: فقد دخل عليه بعضهم فقال له مخاطبًا: (والله ما جئت عائدًا وإنما جئتك لأعزيك في نفسك، وأحمد الله الذي سجنك في جسدك الذي هو أشد عليك عقوبة من كل سجن) . ولد حوالي ١٦٠ هـ ومات سنة ٢٤٠ هـ.
وقد عنيت معظم كتب تاريخ المسلمين - كالطبري والبغدادي وابن الأثير وابن خلكان واليعقوبي وكتب التراجم أيضًا بمحنة خلق القرآن وسجلت تفاصيلها من حيث آراء المتنازعين فيها بدقائقها وأسماء الشيوخ الذين أجابوا بخلق القرآن، والذين رفضوا الإذعان بالرغم من صنوف التعذيب والتنكيل، وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل، ومن ثنايا المحاكمات التي أجريت للإمام أحمد وكان على رأسها ابن أبي دؤاد والمناقشات التي جرت بين المتناظرين، يمكن أن نستخلص آراء ابن أبي دؤاد من حيث منهجه الكلامي، ونفي الصفات الإلهية، ونفي الرؤية، وهي الموضوعات الرئيسية التي أثارت الجدل حينذاك. وقد احتضن القاضي ابن أبي دؤاد عقيدة المعتزلة في هذه المسائل، وكان المحرك الحقيقي للمناظرات الدائرة حولها، والتي اتخذت من محنة خلق القرآن المحول الأساسي لها.
والمحنة لغويًا: ما يمتحن به الإنسان من بلية وشدائد، واصطلاحًا ترتبط بما اتفق عليه المؤرخون من اتخاذ موضوع خلق القرآن موضوعًا لها، وكان أول من عقدها الخليفة المأمون وتابعه المعتصم والواثق. وفكرة خلق القرآن تمضي إلى قضية نفي الصفات عمومًا، والتي تستند إلى مبدأ التوحيد المنزلي ومن ثم القول بأن القرآن مخلوق يقول القاضي عبد الجبار (وليس هذا يعني أن الله أحدث الكلام في ذاته ولكنه أحدثه فى محل) وقد اشترط المعتزلة أن يكون المحل جمادًا حتى لا يكون هو المتكلم دون الله، لاعتقادهم بأن حقيقة المتكلم من أحدث الكلام وخلقه لا من قام الكلام به. ويذهب المعتزلة إلى أن كلام الله عز وجل من جنس الكلام المعقول فى الشاهد وهو حروف منظومة وأصوات مقطعة. هو
=

<<  <   >  >>