للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذا يتضح كيف اعتبر المعتزلة الاعتقاد بخلق القرآن المحور الأساسي في العقيدة حتى امتحنوا بها الأسرى المسلمين، فكأنهم أضافوا للإسلام أصلاً جديدًا بعد كماله. ومن هنا أثار الشيخ الأذري الآية القرآنية الآنفة.

والسؤال الثاني والثالث يوضحان هذا الغرض. وتنتهي المحنة، وتسدل الستار عن مأساة كادت تطيح بالمنهج الإسلامي المتوارث عن السلف، وخلقت لنا مغزى بالغ الأهمية، يتمثل في النزاع بين طرفين: أحدهما المأمون الذي جعل من الاعتزال مذهبًا رسميًا، يحميه ويدعو إليه بالقوة، فيدين به أصحاب المناصب والجاه والنفوذ، وجعل من عقيدة الاعتزال التفسير الوحيد للإسلام، فكانت محنة عظيمة على الأمة، وفكرة فلسفية ضاق عنها تفكير العامة وضاقت بها النفوس (١) .

وتظهر مأثرة الإمام أحمد الكبرى التي أكسبته مكانه الجديد، في وقوفه سدًا منيعًا في اتجاه الأمة إلى التفكير الفلسفي الذي لو سيطر على هذه الأمة لانقطعت صلتها بالتدريج عن منابع الدين الأولى وعن النبوة المحمدية وخضعت للفلسفات وأصبحت عرضة للآراء والقياسات، فحفظ الدين من أن يعبث به العابثون أو تتحكم فيه السلطة والأهواء (٢) .

وإذا توقفنا برهة لنتساءل عن سر هذا الاهتمام الكبير بالمحنة من وجهة نظر السلف، ولم كتبوا عشرات الكتب في الدفاع عن القرآن وإثبات أنه كلام الله تعالى، فلن نفتقد الإجابة بين طيات الصفحات.

إنهم خشوا من الآثار المترتبة على اعتقاد أن القرآن مخلوق، ففضلاً عن ضياع الهيبة من القلوب، وافتقاد الخشية والخوف من كلام الله فإن القائل: (إن هذا القرآن مخلوق) أو (إن القرآن المنزل مخلوق) كان بمنزلة المعتقد أن هذا الكلام ليس هو كلام الله (٣) .


=
أبي داود والنسائي) .
(١) أبو الحسن الندوي: رجال الفكر والدعوة ص ١٢٣.
(٢) نفس المصدر ص ١٤٤.
(٣) ابن تيمية: موافقة ج ١ ص ١٥٧ تحقيق الفقي.

<<  <   >  >>