للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[آل عمران، الآية: ١٨٥] ، ثم سأل بشر (فتقول يا بشر إن نفس الله عز وجل داخلة في هذه النفوس التي تذوق الموت) ، فصاح المأمون بأعلى صوته - وكان جهوري الصوت - معاذ الله، معاذ الله قال عبد العزيز: (معاذ الله أن يكون كلام الله داخلاً في الأشياء المخلوقة كما أن نفسه ليست بداخلة في الأشياء الميتة) .

وقد اعترف المأمون عندئذ بأن حجة عبد العزيز قد وضحت وانكسر قول بشر، وطالب عبد العزيز بالمزيد من هذه الأخبار في القرآن الكريم.

قال عبد العزيز: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل شرف العرب وكرمهم وأنزل القرآن بلسانهم فقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) [يوسف، الآية: ٢] وقال: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ) [مريم، الآية: ٩٧] فخص الله عز وجل العرب بفهمه ومعرفته وفضلهم على غيرهم بعلم أخباره ومعاني ألفاظه وخصوصه وعمومه ومحكمه ومبهمه وخاطبهم بما عقلوه وعلموه ولم يجهلوه، إذْ كانوا قبل نزوله عليهم يتعاملون بمثل ذلك في خطابهم فأنزل الله عز وجل القرآن على أربعة أخبار خاصة وعامة (١) .

فمنها: ١ - خبر مخرجه مخرج الخصوص ومعناه معنى الخصوص وهو قوله تعالى: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) [ص، الآية: ٧١] وقوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران، الآية: ٥٩] ثم قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) [الحجرات، الآية: ١٣] والناس اسم يجمع آدم وعيسى وما بينهما وما بعدهما فعقل المؤمنون عن الله عز وجل أنه لم يعن آدم وعيسى لأنه قدم خبر خلقهما.

٢- خبر مخرجه مخرج العموم ومعناه معنى الخصوص وهو قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف، الآية: ١٥٦] فعقل عن الله أنه لم يعن إبليس فيمن تسعه الرحمة لما تقدم فيه من الخبر الخاص قبل ذلك وهو قوله: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص، الآية: ٨٥] فصار معنى ذلك الخبر العام خاصًا لخروج إبليس ومن تبعه من سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء.


(١) الحيدة ص ٣٢- ٣٣.

<<  <   >  >>