أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود لأن المعرفة بلغات الناس واصطلاحاتهم نافعة في معرفة مقاصدهم، ولكن المحظور هو عدم الدقة في فهم الفروق بين الكلمات والمعاني من لغة إلى أخرى.
وعلى سبيل المثال فإن لفظ (العقل) عند فلاسفة اليونان يقصد به جوهرًا قائمًا بنفسه، وليس الأمر كذلك في اللغة العربية، كذلك العقل في الكتاب والسنة وكلام الصحابة والأئمة لا يراد به جوهر قائم بنفسه باتفاق المسلمين وإنما يراد به العقل الذي في الإنسان.
وبسبب الخلط بين اللغتين فسر بعض الفلاسفة المسلمين - نقلا عن اليونان - الخلق بنظرية الصدور، فتصوروا خلق العالم وكأنه صدر عن العقول العشرة والنفوس التسعة إلى أن انتهى بالعقل الفعال.
وعندما رفض المحدثون منهج المتكلمين وردوه، لم يفعلوا ذلك إنكارًا لأحكام العقل وقوانينه، ولا رفضاً للجدل المبني على أسس منطقية برهانية، ولكن لأن الأصول التي استند إليها علماء الكلام، إما أنها تلبس المعاني الإسلامية ثيابًا ليست لها كمصطلحات الجوهر والعرض والقديم والحادث ومثلها من التعبيرات النابعة من الفلسفة اليونانية والتي لا تعبر عن مدلولات مشابهة في الإسلام، أو أنها تشوه الفكرة وتخلط بين التصورات لأن صلة الفكر باللغة صلة وثيقة، (وقد وضع المتكلمون هذه المصطلحات أولاً ثم أرادوا إنزال كلام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما وضعوه من اللغة والاصطلاح)(١) .
السبب الثاني: أنهم أقاموا حججهم على أدلة مخالفة للمعقول ولا تستقيم مع الأدلة العقلية يزعمون أنها كذلك.
ونضرب على ذلك مثالين:
أولاً: فكرة نظرية الجواهر الفردة التي يفسرون بها الخلق، وتتلخص أن
(١) ابن تيمية - بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية ص ٢٠- أما الحديث المنسوب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لما خلق الله العقل قال له: قم فقام ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال له: اقعد فقعد فقال: ما خلقت خلقًا هو خير منك ولا أكرم علي منك ولا أحسن منك آخذ وبك أعطي وبك أعرف وبك الثواب وعليك العقاب) فقد أجمع علماء الحديث ومنهم ابن الجوزي أن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفس المصدر ص ٢.