للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فساد قولهم بنفي علو الله تعالى، ونفي صفاته وصنف كتبًا كثيرة في أصل التوحيد والصفات، وبين بأدلة كثيرة عقلية على فساد قول الجهمية، وبين فيها أن علو الله على خلقه، ومباينته لهم من المعلوم بالفطرة والأدلة العقلية القياسية، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، إذْ كان الجهمية النفاة المعطلة للصفات في عصره يقولون: إن الله لا يرى ولا له علم ولا قدرة وأنه ليس فوق العرش رب، ولا على السموات إله، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يعرج به إلى ربه. وقد أنصفه ابن تيمية فأقر بما كان له من فضل وعلم ودين ودافع عنه إزاء من يتهمونه بأنه ابتدع ما ابتدعه ليظهر دين النصارى في المسلمين ورأى أنه كذب عليه (١) ، وإنما افترى هذا عليه المعتزلة والجهمية الذين رد عليهم، لأنهم يزعمون أن من أثبت الصفات فقد قال بقول النصارى، بينما كان ابن كلاب أقرب إلى السنة من الجهمية والمعتزلة (٢) .

ولكن وجه الخطأ في تأويل ابن كلاب ومن وافقه ظنه أنه لا يمكن رد قول الجهمية في القرآن إلا إذا قيل: إن الله تعالى لم يتكلم بمشيئته وقدرته، ولا كلم موسى حين أتاه، ولا قال للملائكة: اسجدوا لآدم بعد أن خلقه، ولا يغضب على أحد بعد أن يكفر به، ولا يرضى عنه بعد أن يطيعه، ولا يحبه بعد أن يتقرب إليه بالنوافل، ولا يتكلم بكلام بعد كلام، فتكون كلماته لا نهاية لها.


(١) شرح حديث النزول ص ١٧١.
(٢) وبذلك طعن ابن تيمية في الرواية التي يحكيها خصوم ابن كلاب، وتتلخص فى الادعاء بأنه كان نصرانيا فأسلم وفارق قومه، وكانت له أخت أكبر منه عالمة بدين النصرانية، لها عندهم قدر عظيم فهجرته حين أسلم وأبعدته من المحلة، لأنها كانت راهبة للنصارى مقبولة القول عندهم، يصدرون عن رأيها، فتحيل عليها كل أحد من المسلمين والنصارى من الجيران، في أن تمكنه من الدخول إليها فلم تفعل فاحتال حتى تسلق عليها من بعض بيوت الجيران، فلما رأته صاحت فقال لها: يا سيدتي اسمعي مني كلمة واحدة، ثم افعلي ما بدا لك. فقالت: هات. فقال: اعلمي أني وجدت هذا الإسلام ينشر ويزداد كل يوم ظهورًا، والنصرانية تضمحل آثارها، فوضعت فصولا وعلمت مسائل - ذكرها لها - أودعتها معنى النصرانية وأسسها في الإسلام، وشوشت عليهم أصولهم - فلما سمعت بذلك طابت نفسها. (عباس بن منصور السكسكي الحنبلي (متوفى ٦٨٣ هـ) البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ص ١٩ تحقيق خليل أحمد إبراهيم الحاج، دار التراث العربي ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م) .

<<  <   >  >>