للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينتقل إلى نقطة أخرى، فيؤكد أن الله - سبحانه وتعالى - خالق أفعال العباد بإرادته، ولكنه لم يأمر بالكفر والفسوق والعصيان، كما لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر، وهذا ما فهمه السلف الصالح، كقول أبي بكر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم: (أقول برأيي فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان) (١) ففهموا - أي السلف جميعًا - أن الشر مخلوق لحكمه، ولكنه لا ينسب إلى الله تعالى مفردًا، ولكن إما يدخل في العموم كقوله تعالى: (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [غافر، الآية: ٦٢] أو يضاف لسبب (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) [الفلق، الآية: ١، ٢] ، أو يحذف فاعله كقوله فيما حكاه عن الجن: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) [الجن، الآية: ١٠] .

ويشرح ابن تيمية ضمن أبحاثه اللغوية التي يستقيها من البخاري في (خلق أفعال العباد) ، لكي يؤكد أنه لا تقوم بالله سبحانه وتعالى أفعال العباد ولا يتصف بها، ولا تعود إليه أحكامها؛ ولهذا قال أكثر المثبتة للقدر بأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وهي فعل العبد فإذا قيل هي فعل الله، فالمراد أنها مفعولة له لا أنها هي الفعل الذي هو مسمى المصدر، وأكثر الأئمة يفرقون بين الخلق والمخلوق (٢) والمسلمون جميعًا ينزهون الله تعالى عن الظلم، فليس كل ما كان ظلمًا من العبد يكون ظلمًا من الرب، ولا ما كان قبيحًا من العبد يكون قبيحًا من الرب، فإن الله ليس كمثله شيء، ولا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

ويعتمد شيخ الإسلام في نفي الظلم عن الله تعالى على دليل عقلي؛ لأن من قوانين الفطرة الإنسانية ألا يعتبر الإنسان مقابلة الظالم على ظلمه بمثابة الظلم له، فالله تعالى أولى أن لا ينسب إلى الظلم، فإذا أخذ الله العبد بما فعله، فلأنه تم باختياره. ولكن مرد خطأ المعتزلة ونفاة القدر بعامة، أنهم قاسوا أفعال الله على أفعال خلقه، وعدله على عدلهم، وهو قياس ظاهر الفساد - وسنعود لشرح رأيه عن عدل الله وحكمته، وعلى النقيض من ذلك غلاة المثبتة للقدر أي: الجبرية، الذين


(١) منهاج ج ٢ ص ٢٥.
(٢) نفس المصدر ص ٢٦.

<<  <   >  >>