للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس من أن كسوف الشمس كان لأجل موت إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان قد مات وكسفت الشمس، فتوهم بعض الجهال من المسلمين أن الكسوف كان لأجل هذا، فبين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الكسوف لا يكون سببه موت أحد من أهل الأرض، نفى بذلك أن يكون الكسوف معلولاً عن ذلك ... وبين أن ذلك من آيات الله التي يخوف بها عباده (١) .

وما يثبت أيضًا أن التخويف إنما يكون سبباً للشر وعلة له، ما قاله تعالى في سورة الإسراء: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء، الآية: ٥٩] وقياسًا على ذلك فلو كان الكسوف وجوده كعدمه بالنسبة إلى الحوادث، لم يكن سببًا لشر، وهو خلاف نص الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

ويدعم ذلك ما ورد في سنن - الترمذي والنسائي وأحمد - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى القمر وقال لعائشة: "يا عائشة، تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب". وتفسير الحديث أيضًا يدل على أن الاستعاذة إنما تكون مما يحدث عنه شر.

أضف إلى ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر عند انعقاد أسباب الشر بما يدفع موجبها بمشيئة الله تعالى وقدرته من الصلاة والدعاء، والذكر، والاستغفار، والتوبة، والإحسان بالصدقة والعتاقة فإن هذه الأعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد سببه، كما في الحديث "إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان" ومثل ذلك مثلما جاء عدو فإنه يدفع بالدعاء، وفعل الخير، وبالجهاد له، ومثلما يفعله المرء إذا هجم البرد، يدفعه باتخاذ الدفء فكذلك الأعمال الصالحة والدعاء.

وإذا كانت الحكمة ضالة المؤمن، فإن ابن تيمية لا يكتفي بهذه الأدلة فيضيف إليها اتفاق أهل الملل وأساطين الفلاسفة، مؤيدًا ذلك لهما ذكر عن بطليموس أنه قال (واعلم أن ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات يحلل ما عقدته الأفلاك الدائرات) (٢) .


(١) ابن تيمية: الرد على المنطقيين ص ٢٧٠- ٢٧١.
(٢) الرد على المنطقيين ص ٢٧٢ ويرى أن ذلك مخالف للحس والعقل والخلق عندهم الموجود في زماننا إنما هو جمع وتفريق لا ابتداع عين وجوهر قائم بنفسه، ولا خلق لشيء قائم لا إنسان ولا غيره وإنما يخلق أعراضًا.

<<  <   >  >>