يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة. وإذْ ثبت عنهم الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع فحق على كل ذي دين أن يعتقد تنزيه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب فليجر آية الاستواء، والمجيء، وقوله:(لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)[ص: الآية: ٧٥](وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ)[الرحمن، الآية: ٢٧] وقوله: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)[القمر، الآية: ١٤] وما صح من أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا.
ويعضد ذلك ما ذهب إليه في كتابه (غياث الأمم) فبالرغم من أن الكتاب مخصص لعرض الفقه السياسي الإسلامي وآرائه في منصب الخلافة أو الإمامة، فقد حرص في باب (تفضيل ما إلى الأئمة والولاة) على أن ينص على أحد مهام الخليفة على صرف المسلمين عن الخوض في المشكلات الكلامية وتوجيههم إلى طريقة السلف فقال في هذا الصدد: (والذي أذكره الآن لائقًا لمقصود هذا الكتاب، أن الذي يحرص الإمام فيه على جمع عامة الخلق على مذاهب السلف السابقين، قبل أن نبغت الأهواء وزاغت الآراء، وكانوا رضي الله عنهم، ينهون عن التعرض للغوامض والتعمق في المشكلات.. إلى أن يقول: وما كانوا ينكفون رضي الله عنهم عما تعرض له المتأخرون عن عي وحصر، وتبلّد في القرائح هيهات! قد كانوا أذكى الخلائق أذهانًا وأرجحهم بيانًا)(١) .
ورأي الغزالي أيضًا في علم الكلام مدون في كتبه معروف مشهور لا سيما (الإحياء) فقد قال فيه: (وأما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه، وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتضليل فيه أكبر من الكشف والتعريف) وإلى نفس المعنى يذهب في كتابه (المنقذ من الضلال) فذم علم الكلام أيضًا وقال بأن أدلته لا تفيد اليقين. وفي كتابه (التفرقة بين الإيمان والزندقة) ، صرح بتحريم الخوض فيه فقال:(لو تركنا المداهنة لصرحنا بأن الخوض في هذا العلم حرام) . ومات الغزالي على خير أحواله، مات على
(١) الجويني: غياث الأمم فى التياث الظلم ص ١٤٠، ١٤١ تحقيق د. مصطفى حلمي ود. فؤاد عبد المنعم ط دار الدعوة بالإسكندرية سنة ١٤٠٠ هـ.