للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن موقفه من الإمام أبي الحسن، فإن القارئ لكتبه يلمس أحيانًا رقة في نقده، وذلك بسبب أقوال الأشعري المؤيدة لمذاهب أهل الحديث والسنة في عدة مواضيع كالصفات والقدر والإمامة، وردوده على المعتزلة والشيعة والجهمية. ولذا يرى أنه ينبغي أن يعرف لهذا الإمام حقه وقدره عملاً بقول الله تعالى: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) كذلك فإن قيامه بنصرة مذهب أهل السنة في وجه أهل البدع وقهره للمخالفين يضعه في مرتبة المجاهدين (١) .

ومع أن شيخنا لا يعد أتباع المدرسة الأشعرية سلفيين خلَّصاً لأن المذهب السلفي بالمعنى الدقيق يلفظ استخدام الكلام المبتدع سواء على منهج المعتزلة أم بدفاع شيوخ الأشاعرة، إلا أنه يقر بوجود تقارب بين المذهبين كما قلنا، ويراه يكاد يلتحم عند المحدثين منهم خاصة: كابن عساكر (٥٧١ هـ) ، والبيهقي (٤٥٨ هـ) ، والنووي (٦٧٦ هـ) حيث غلب عندهم جانب الحديث عن الاتجاه الكلامي. ومن جهة أخرى، ينتسب إلى الحنابلة أيضًا من المتأخرين من يذهب إلى شيء من التأويل، كابن عقيل (٥١٣ هـ) وابن الجوزي (٥٩٧ هـ) (٢) كذلك فقد شذت منهم قلة - شأنهم في ذلك شأن أتباع المذاهب والفرق جميعًا - حيث اتفقت مع ابن حنبل في الفروع وخالفته في بعض الأصول قائلين بالجهة والجسمية ولكن (أحمد برئ منهم وأهل السنة والجماعة من الحنابلة لا يعدونهم منهم) (٣) .

وفي نقده للمحدثين، يرى أن ما يعيب بعض علماء الحديث يرجع إلى الحشو الناجم عن الاحتجاج بأحاديث ضعيفة أو موضوعة، أو ما لا يصح الاحتجاج به. أما القاعدة السليمة التي ينبغي على المحدثين التقيد بها حتى يسلم منهجهم من الأخطاء والحشو، فهي تتلخص في ضرورة توافر عاملين:

أحدهما: التثبت من صحة الحديث، والثاني: فهم معناه (٤) .


(١) نفس المصدر ١١.
(٢) صفي الدين الحنفي: القول الجلي في ترجمة شيخ الإسلام. ص ٢٥٣.
(٣) ن. م ١٢٧.
(٤) ابن تيمية: نقض المنطق ص ٢٢.

<<  <   >  >>