للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذهن (١) .

وهذا بخلاف (العلم الأعلى) عند المسلمين؛ فإنه العلم بالله - تعالى - الذي هو في نفسه أعلى من غيره من كل وجه. والعلم به أصل لكل علم ولاختصاص الله - تعالى - بصفات الكمال بالإطلاق، فقد استعمل الأنبياء - عليهم السلام - في الاستدلال عليه - تعالى - قياس الأولى (على وزن الأعلى) ، لإثبات أن كل ما ثبت لغيره من كمال فثبوته له بطريق الأولى وما تنزه عنه غيره من النقائص فتنزهه عنه بطريق الأولى.

والآيات الكثيرة في القرآن في هذا الصدد تستند إلى قياس الأولى. قال تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [الروم: ٢٨] .

وقال تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [النحل: ٥٧ - ٦٠] .

ويستخدم القرآن الكريم أيضًا قياس الأولى في بيان إمكان المعاد:

(أ) فتارة يخبر عمن أماتهم ثم أحياهم، كما أخبر عن قوم موسى بقوله: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة الآية: ٥٥، ٥٦] .

وكما أخبر عن المسيح عليه السلام أنه كان يحيي الموتى بإذن الله.

وبنفس الطريقة أخبر عن أصحاب الكهف أنهم لبثوا نيامًا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا [الكهف: ٢٥] وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) [الكهف: ٢١] .

وقد ورد تفسير هذه الآية عن غير واحد من العلماء أن قضية البعث أثيرت في ذلك الزمان أيضًا فتنازع الناس حول حقيقته، هل هو بالأرواح فقط أم بالأرواح


(١) ابن تيمية - الرد على المنطقيين ص ١٣٠ - ١٣١.

<<  <   >  >>