للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثقافيًا واقتصاديًا (طوال الفترة التي عزل فيها نفسه على الإسلام ولم يواجهه، ولم ييدأ ازدهار الغرب ونهضته إلا حين بدأ احتكاكه بالعرب سياسيًا وعلميًا وتجاريًا.

واستيقظ الفكر الأوروبي، على قدوم العلوم والآداب والفنون العربية من سباته الذي دام قرونًا ليصبح أكثر غنى وجمالا وأوفر صحة وسعادة) (١) .

إن فهم هذه الحقيقة كان دافعًا لإعادة الثقة بالنفس، والتحول من موقف الخضوع لسلطان الحضارة الغربية، إلى موقف منابذتها وإظهار القدرة الذاتية للإسلام في مواجهة التحديات، لأن العالم الإسلامي (هدف ثمين من أهداف تصدير الأفكار نظرًا إلى موقعه وخطورة موقفه بين الكتل المتصارعة..، وأن يبقى هذا العالم مفتقرًا إليها على اختلافها وأن يحال بينه وبين أفكاره الأصلية التي يمكن أن تغنيه عن الاستيراد وتحقق له الاكتفاء الذاتي) (٢) .

ونلمح نموذجًا لهذا الموقف المتحدي من جانب الشيخ رشيد رضا في قوله: نتحداهم بالقرآن - وهو يقصد الفلاسفة والمؤرخين من جميع الأمم ولا سيما أحرار الإفرنج - بأن يأتوا بالإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي مؤكدًا تقديم أسمى الحضارة على أساس قرآني (٣) . ويبدو أن هذه النزعة للشيخ السلفي أحدثت تأثيرًا حاسمًا في أغلب مفكري الإسلام المحدثين، إذ رأوا مثله، بأنه لا بد من إظهار حقيقة الإسلام كما عرفه السلف الصالح ورفض التأثيرات المتراكمة التي فصلت بين المسلمين في عصورهم الأخيرة وبين فهم أجدادهم للإسلام في القرون الأولى.

وفي ضوء ظروف العصر كان لا بد للنظر إلى الإسلام في شموله في ذاته لأنه يتناول الجانب المادي وحياة الروح معًا.

ويقتضي ذلك فصل الإسلام ذاته عن فهم المسلمين للإسلام خلال العصور المتأخرة لأنه بمضي العصور، وبسبب التقاء المسلمين بثقافات الأمم الأخرى، حدث أن تفرعت


(١) زيجفرد هونكه: شمس الله تسطع على الغرب ص ٥٤١ ط التجارية للطاعة والنشر دبي ١٩٦٩ م.
(٢) كتاب (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان ص ٧.
(٣) رشيد رضا: الوحي المحمدي ص ١٦٥.

<<  <   >  >>