للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القاطع بين حقائق الدين ومعطيات العلم، وبالتالي إيجاد ثنائية بين التفكير العقلي واليقين القلبي، فموضوع العقل العلم وموضوع القلب الإيمان، وذلك تقليدًا لما حدث في أوروبا في عصر النهضة من انفصال بين الدين والعلم للأسباب التي قامت هناك حينذاك.

ثم تغيرت هذه الصورة رويدًا رويدًا عندما انتشر التعليم، وأعيدت الثقة في النفوس وقام العلماء بشرح الآيات القرآنية في ضوء الاكتشافات العلمية، وظهرت حقيقة التوافق بين الإسلام والعلم بالأدلة التي لا تقبل الشك.

وهنا نجد الدكتور موريس بوكاي يبدي دهشته البالغة عندما يستكشف في بحثه المبتكر في هذا المجال التوافق التام بين النص القرآني ومعطيات العلم الحديث، ثم - سرعان ما يقرر أنه لا داعي للعجب أو الدهشة في هذا (إذا عرفنا أن الإسلام قد اعتبر دائمًا أن الدين والعلم توأمان متلازمان فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءا لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام. وأن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الإسلامية، تلك التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا) (١) .

أما عن وجهتي النظر التي يقابلهما الباحث في هذه القضية، وأعني بذلك وجهة النظر القائلة بأن النظريات العلمية كلها منصوص عليها بين دفتي القرآن الكريم، والأخرى التي تفضل عدم الزج بالقرآن في مجالات علمية قابلة للتغير في ضوء التجارب والمكتشفات المتوالية، فإن الرأي الوسط الذي نميل إليه أن كتاب الله عز وجل يستثير في بني آدم عملية التفكير ويحضهم على النظر في آيات الله الكونية المحيطة بهم في جوانب المخلوقات في عوالم النبات والحيوان والأفلاك والمجتمعات والتاريخ.

ومهما يكن اختلاف الآراء حول القرآن الكريم من آيات عرف العلماء الآن دلالتها العلمية في العصر الحاضر من شمس وقمر وكواكب، أو تتحدث عن الأرض والسماء، أو خلق الإنسان وأطواره، فإن الرأي الراجح بين الرأيين السالف الإشارة إليهما - أن القرآن الحكيم ليس في الواقع من مراجع العلوم (ولكنه وجه الحديث إلى القلوب المتفتحة وإلى العقول الواعية في نفس الوقت، وهو بذلك كتاب مشاعر وأخلاق وفكر في آن واحد، يعطي من


(١) موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص ١٤، ط دار المعارف سنة ١٩٧٩ م.

<<  <   >  >>