للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متحققة الوجود في الخارج) .

إلا أنه يفسر قوله تعالى: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [الأعراف، الآية: ٢٤] بأنها تعبر عن الصراع بين الأفراد المتعارضين أثناء سعي كل منهم للكشف عن إمكانياته وعن أسباب ملكه، إن هذا الصراع هو سبب ألم الدنيا.

ومن نظرته للوجود الشخصي الفردي جعل الأمانة التي ذكرتها آية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف، الآية: ١٧٢] جعل هذه الأمانة ستشمل عنصري الخير والشر لأنها قائمة على أساس حرية الاختيار، وقد خلقه الله تعالى للاختبار مع وضع الأمثلة للرجولة الحقة كالصبر في البأساء والضراء والاعتقاد في الفوز في النهاية لمن اجتاز الابتلاء بنجاح.

ويصور لنا إقبال الحياة الإنسانية في شكل معركة حقيقية، تبرز فيها عناصر المقاومة والكفاح الدائم، ولكن الإنسان يملك في نفسه من أسلحة المقاومة ما هو كفيل بنجاحه وانتصاره، فبالرغم من أن نصيب الإنسان في الوجود شاق، وحياته كورقة الورد، فليس للروح الإنسانية نظير بين جميع الحقائق في قوتها وفي إلهامها وفي جمالها.

وقدر على الإنسان أن يشارك في أعمق رغبات العالم الذي يحيط به. وأن يكيف مصير نفسه ومصير العالم، وتسخير هذه القوى لأغراضه، على شرط أن يبدأ بتغيير نفسه (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: آية ١١] .

وهنا تظهر لنا الشخصية الإنسانية كأوضح ما تكون، لأن القرآن قد بينها - من وجهة نظر فيلسوفنا - مؤلفة من أمور ثلاثة واضحة كل الوضوح على التفصيل الآتي:

أولا: إن الإنسان قد اصطفاه الله (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) [طه: ١٢٢] .

ثانيًا: إن الإنسان بالرغم من أخطائه جميعًا، أريد به أن يكون خليفة الله في

<<  <   >  >>