ونستطيع تفسير موقف محمد إقبال هنا بالمقارنة بين فريقي العقل والنقل في الفكر الإسلامي، فمن هذا الوجه، يعد من الآخذين بهما معا كسلفه ابن تيمية.
وكان لا بد للفيلسوف المعاصر لأوروبا في أوج حضارتها، القارئ لتراثها والفاهم لإنتاج فلاسفتها، أن يستلهم الإسلام في حل المشاكل التي يراها تتفتق أمامه عن أزمات لا يستهان بها.
قال:(لا ريب في أن اللحظة الحاضرة تمثل أزمة خطيرة في تاريخ الثقافة العصرية) بعد فشل أسلوب التصوف، في العصور الوسطى والقومية والاشتراكية الإلحادية، في شفاء علل الإنسانية البائسة؛ لأن أسلوب التصوف كان أبعد ما يكون عن تدعيم قوى الحياة النفسانية عند الرجل العادي، بحيث يعده للمشاركة في موكب التاريخ، فعلمه نوعًا من الزهد الزائف، وجعله يقنع بجهله ورقِّه الروحي قناعة تامة وكان لأسلوب الاشتراكية الملحدة الحديثة ما للدين الجديد من حمية وحرارة، ولكنها استمدت أساسها الفلسفي من المتطرفين أمثال هيجل، وأعلنت العصيان عن المصدر الذي كان يمكن أن يمدها بالقوة والهدف، ويؤكد أنها ستتأثر بغير شك بالقوى السيكولوجية للكراهية والارتياب في نيات الغير والأحقاد، تلك القوى التي تنزع إلى إضعاف روح الإنسان وإنضاب ينابيع قوته الروحانية الخفية (١) وكان إقبال متنبئًا بسقوط الشيوعية، سابقًا لعصره في رؤية ثمارها القاتلة.
ولمعرفة رأي إقبال في الحل المقترح، لا بد أن نعرض بإيجاز شديد للمقارنة بين الحقيقة في التجربة العلمية، والتجربة الدينية:
عندما نضع (العلم) في مجموع التجربة الإنسانية، يشرع ينكشف عن طبيعة مختلفة، والعلوم جزئية بطبيعتها، وعلى هذا فإن الأفكار التي تستخدمها في تنظيم المعرفة جزئية بطبعها، وتطبيقها اعتباري بالنسبة لمستوى التجربة التي نستخدمها فيه وأظهر دليل على ذلك تطورات النظرية العلمية، على مر الأجيال عن المادة.
والتجربة، كما تنكشف في الزمان، تتمثل في ثلاث مستويات كبرى، هي:
مستوى المادة.. ومستوى الحياة.. ومستوى العقل وهي - على التوالي-