للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الناحية الفلسفية (فهي أولاً: لا تهدم حقيقة الوجود الخارجي وإنما تهدم النظر إلى الجوهر، باعتباره مجرد شيء قائم في مكان، وهو رأي انتهى إلى المادية في علم الطبيعيات القديم، فالجوهر في نظر الطبيعيات النسبية ليس قائمًا بذاته له أحوال متغايرة ولكنه مجموعة من حوادث يتعلق بعضها ببعض) (١) .

وهكذا أخذت (المادة) طبيعة مختلفة، لأن العلم لا يستطيع أن يقيم نظرياته على اعتبار أنها رأي كامل عن الحقيقة، وعلى هذا فإن الأفكار التي يستخدمها في تنظيم المعرفة جزئية بطبعها، كما رأينا، وتطبيقها اعتباري بالنسبة لمستوى التجربة التي نستخدمها، وقد أصبح هذا الاستدلال في غاية الأهمية، حيث إن العلماء قد اعترفوا بأن العلوم المادية لا تعطي إلا علمًا جزئيًا عن الحقائق.

أما الدين فهو السبيل إلى معرفة (الذات الكلية) فالعبادة فيه - وعلى وجه أخص الصلاة - هي المدخل في نظر إقبال إلى إدراك تلك الحقائق الكلية إدراكًا قريبًا. إن حقائق الدين فوق العلم، ولا تستطيع العلوم المادية الوصول إليها.

ويكشف إقبال عن خطأ التعريفات للدين التي وضعها (يونج) ومضمونها - في الجملة - هو أن الدين لا يصل بين ذات الإنسان وبين أية حقيقة واقعية خارج نفسه بل هو مجرد تدبير بيولوجي حسن القصد أريد به إقامة حدود ذات طابع أخلاقي حول المجتمع الإنساني لكي تحمي البناء الاجتماعي من غرائز الذات التي لا يكبح لها بغير ذلك جماح، وكأن يونج قد رأى في المسيحية أنها انتهت من رسالتها بسبب تصوره للحياة الدينية الرفيعة مجرد قهر النفس للبواعث الجنسية، ولكن محمد إقبال يفند هذا الزعم الخاطئ لأن قهر البواعث الجنسية ليس إلا مرحلة تمهيدية من مراحل تطور الذات وارتقائها. وكما يؤكد أيضًا أن علم النفس الحديث لم يمس بعد الحياة


(١) لمزيد إيضاح، ينظر كتاب (أينشتين والنظرية النسبية) للدكتور محمد عبد الرحمن مرحبا، ص ١٢٨ حيث يذكر اعتقاده بأن الأشياء المادية لا وجود لها فى ذاتها، بل هي تمثل مركبات من الإحساسات تتكرر باستمرار، وأن العالم مؤسس على العقل، ومن الممكن فهمه (ص ١٢٩) وأن أصنام الفلسفة القديمة أخذت تتحطم؛ فالمادة، بمعناها المتداول تبخرت، وأصبحت لا مادية ص ١٣١. ط. دار القلم - بيروت سنة ١٩٧٤ م.

<<  <   >  >>