بكثير من الأنظار الغريبة الدخيلة وآراء عهد انحدار الحضارة الإسلامية، مع المنهج العلمي التاريخي الصحيح الذي يقتضي أن نرجع إلى الأصول الأولى قبل كل شيء (١) .
وقد التزمنا باتباع هذا المنهج المعبر عن أصول حضارتنا أيام ذروتها، فكانت خطتنا البدء بالنظر في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعين، ثم التدرج لبحث ظهور الفرق وأسبابه، مع انتفاء بعض المناقشات التي دارت بين علماء الحديث والمعتزلة، كعبد العزيز المكي وبشر المريسي، والإمام أحمد والقاضي ابن أبي دؤاد.
وتابعنا هذه الخطة فعرضنا لمذهب الأشاعرة ونقده من وجهة نظر علماء الحديث والسنة - لا سيما رأي ابن تيمية.
كذلك خصصنا بابًا للحديث عن موقف ابن تيمية من القضايا الكلامية. وفي النهاية رأينا ضرورة عرض نبذة عن الفكر الإسلامي المعاصر.
ولم يغب عن ذهننا أن موضوع الكتاب له وجهان:
الأول - تاريخي ربما قد خمد بسببه الانفعال الذي كان مشتعلاً بين طيات السطور في الكتب الكلامية. ولكن بقيت المسائل موضوعيًا نابضة بالحياة إلى وقتنا الحاضر، لأنه ما من مسلم يقرأ القرآن ويطالع كتب الحديث إلا وتدور في ذهنه أوجه التفسير والتأويل، والتأمل في قضايا أصول الدين، من كلام عن الله تعالى ذاتًا وصفاتًا وأمور الغيب الأخرى، كقيام الساعة والحساب والعقاب والجنة والنار وأفعال العباد والإيمان بالقضاء والقدر وغيرها. ونرى أن خير عون - بعد توفيق الله تعالى - هو الاستضاءة بالفهم والتدبر بفهم علماء السنة وتدبرهم والاستناد إلى حججهم الشرعية العقلية، فإنها شرعية لأنها مستمدة من الشرع، وعقلية لأنها تتفق مع أدلة العقل الصحيحة.
الثاني - الجانب المعاصر في الفكر الإسلامي المتجه إلى مقاومة الغزو الفكري للحضارة الغربية، فما لم نستكمل الدراسة بإلقاء النظر إلى الفكر الإسلامي المعاصر فإن الدراسة بذلك تصبح مبتورة، ولا تفيد القارئ الذي يريد فهم ما يدور حوله،
(١) مقدمة كتاب (عقائد السلف) تحقيق وتقديم أستاذنا الدكتور علي سامي النَّشَّار- رحمه الله تعالى - ود. عمار الطالبي - منشأة المعارف بالإسكندرية ١٩٧٠ م.