للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال "السفاريني": وكان أول من صنف في علم الكلام والجدال والخصام مع أهل السنة والجماعة "واصل بن عطاء" وهو رئيس المعتزلة (١) .

والذي نود إبرازه في هذه العجالة عن مراحل ظهور الكلام في الدين أن المشكلات ظهرت بسبب عوامل سلبية - إن صح التعبير - أي: انحسارًا عن موجة المد الإسلامية الأولى في أصول الدين وفروعه ونظمه وأخلاقياته، ورجوعًا عن النموذج المثالي الذي حققه المسلمون في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعين بعده.

كما يتضح أنها لم تبدأ من أصل إسلامي صحيح، بل بدأت بمخالفة الأصول المدعمة بالأدلة، والأمثلة على ذلك كثيرة منها أن الآية القرآنية الآنفة تتناول تقسيم الكتاب إلى آيات محكمات وأخر متشابهات تحمل في طياتها الأمر بعدم اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة فجاء البعض ليضرب كتاب الله تعالى بعضه ببعض.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بعدم الكلام في القدر فخالفه المخالفون، وأمر بألا يسب أحد أصحابه، فجاء الشيعة بعده فسبوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.

وإذن فهي لا تدل على النضج العقلي أو التفكير الحر كما يصور ذلك بعض دراسات المستشرقين؛ فإن هذا من قبيل الخطأ الشائع الذي يردده كثير من الباحثين والعكس - تماما - صحيح، ولنبحث في عقيدة أقرب الفرق إلى خطأ التفسير اللغوي - وهم المرجئة - فقد نجم خطؤهم من الجهل باصطلاحات اللغة العربية، فزعموا أن الإيمان - لغة - هو التصديق، والتصديق إنما يكون بالقلب واللسان، أو بالقلب فقط، والأعمال عندهم حسب هذا الفهم المنحرف ليست من الإيمان.

ويتضح خطؤهم إذا بحثنا في قضية الإيمان، فإن الأفعال تسمى أيضًا تصديقًا، وهذا معنى الإيمان المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. مثال ذلك ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "العينان تزنيان وزناهما النظر والأذن تزني وزناها السمع واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها المشي والقلب يتمنى ذلك ويشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" وكذلك قال أهل اللغة وطوائف من السلف والخلف قال الجوهري: الصدّيق الدائم التصديق الذي يصدق قوله بالعمل.


(١) شرح عقيدة السفاريني ص ١٠ ط المنار ١٣٢٣ هـ.

<<  <   >  >>