للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتجددت المشاكل أمام الفكر الإسلامي الذي أخذ يجابهها بأساليب جديدة نتيجة من ناحية لمقاومة الاستعمار ومقاومة المذاهب والبحوث الفكرية التي خلفها بمعاونته في تمكين سلطه في رقعة البلاد الإسلامية (١) ، ومن ناحية أخرى أصبح من واجب العلماء التعريف بالإسلام بصورته الشاملة كدين وحضارة وبعث النشاط في قيمه العليا - سواء في حقائقها الميتافيزيقية أو أنظمتها التشريعية والاجتماعية والسياسية - أو في قيمتها الإنسانية الأخلاقية في هذا العصر المصطبغ بالتقدم العلمي المادي، الذي عزل الإنسان عن القيم الروحية التي غذته بها الأديان.

ومهما بلغت العلوم في تقدمها وازدهارها، فليس لها أن تعترض طريق الدين. وقد أصبح هذا الاستدلال في غاية القوة حيث إن العلماء اعترفوا في هذا القرآن بأن العلوم المادية لا تعطي إلا علما جزئيًا عن الحقائق (٢) ، ومن جانب آخر فقد اضطر العلماء إلى الانحناء والخضوع أمام آلاء الله عز وجل، والإقرار بأن الزهو بالعلم والاكتشافات العلمية كان تعبيرًا عن قصور في إدراك الإنسان لمدى قدرته إزاء سنة الله الكونية ثم أظهرت الاكتشافات أن الإنسان لا يستطيع اكتشاف قوانين حياته بنفسه، وأن الأشياء التي لا نطلع عليها هي أهم بكثير من التي نطلع عليها، وإقرارا لهذا الواقع اشترك نحو مائة وخمسين من كبار علماء العالم في نشر معجم بعنوان (دائرة معارف الجهل) موضحين الكثير من الظواهر والحقائق الإنسانية والكونية التي لا تزال بدون تفسير.

كذلك مما يقرب عالم الغيب للأذهان الذي يشمل أصول الدين أغلب قضاياه له وسرعاته وأعداده كلها تحير العقل وتذهله وتعجزه عن التصور الحقيقي - لأن هذا العالم أعظم وأضخم من القوة المتخيلة للأذهان، فالإنسان الذي يدرس الكون (مضطر لتغيير قيمه ومقايسه إلى هذه الحجوم والكتل الهائلة التي لا يستطيع أن يجد لها تشبيهًا معقولاً ليساعده على تصورها وفهمها) (٣) .


(١) محمد البهي: الفكر الإسلامي في تطوره.
(٢) وحيد الدين خان: الإسلام يتحدى.
(٣) زهير الكرمي: مقدمة كتاب (الكون والثقوب السوداء) ص ١٢ سلسلة كتاب (عالم المعرفة) بالكويت.

<<  <   >  >>