ظلت أغلب دراسات المحدثين في الإسلاميات التي تحوم حول علم الكلام في نشأته وتطوره تعتمد على كتب المتكلمين أنفسهم من المعتزلة والأشاعرة في الغالب، فلا تكاد تعثر على دراسة عن المسلمين الأوائل ومناهجهم الشرعية العقلية في الاستدلال على أصول الدين.
ونلحظ أن أغلب البحوث المعاصرة تعتمد على آراء المستشرقين الذين يهتمون عادة بالفرق المنشقة عن أهل السنة والجماعة، والاهتمام بإيجاد الصلات بين معتقدات الفرق والمصادر الخارجية من عقائد وديانات وفلسفات يونانية وفارسية ونحوها.
وكثيرًا ما تتضخم أبحاثهم بالمسائل الخلافية والعناية بالفرق الغالية، وتصور التاريخ الإسلامي من خلال الخلافات والانشقاقات، فتختفي الحقيقة تحت أكوام من الجدل والخلاف بحيث يصعب على القارئ التمييز بين الحق والباطل.
ومثل هذا المنهج - فضلا عن النتائج المغرضة التي يراد الوصول إليها فإنه يتجاهل حقيقة بارزة لا يمكن إخفاؤها، ألا وهي أن آراء الفرق المنشقة قد حوصرت منذ ظهورها بواسطة علماء الحديث والسنة، ورفضتها الغالبية من أهل السنة والجماعة التي ظلت مستمسكة بالعقيدة الصحيحة المتلقاة بالقبول والفهم منذ عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته.
لهذا، رأينا - مستعينين بالله سبحانه وتعالى - إجلاء المنهج المتبع بواسطة علماء الحديث والسنة، وكانت أولى خطواتنا البدء بعصر الصحابة لاستقراء الاتجاهات الدالة على ألوان من النظر العقلي قبل أن يظهر أهل الكلام وقبل أن ينشق الصف الإسلامي إلى فرق ومذاهب متطاحنة، لنحاول أن نقف على تفسيرات أصحاب الصدر الأول للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتصلة ما سماه المتكلمون بـ (أصول الدين) والتي لم توضع في الصيغ الكلامية أو الأنساق الفلسفية خلال العصور المبكرة التي نتحدث عنها، ولكن الذي حدث هو أنه كلما تفتقت مسألة، أو حدث انشقاق طارئ مستحدث، قام لها من يتصدى بالتفسير والتوضيح، أو النهي والزجر إذا كان من قبل