للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدنيا، محصيًا الآيات القرآنية الدالة عليها.

ويذكر أن الله سبحانه وتعالى ابتلى العباد بالنعم كما ابتلاهم بالمصائب، وأن ذلك كله ابتلاء فقال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء، الآية: ٣٥] .

وقال: (أَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) [الفجر، الآية: ١٥ - ١٦] (١) .

وقال: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك، الآية: ٢]

فأخبر سبحانه أنه خلق العالم العلوي والسفلي وقدر أجل الخلق وخلق ما على الأرض للابتلاء والاختبار، وهذا الابتلاء إنما هو ابتلاء صبر العباد وشكرهم في الخير والشر والسراء والضراء (٢) .

كذلك وردت الأحاديث الكثيرة في بيان ما يقابله المؤمن في حياته من ابتلاءات طوال عمره، منها:

عن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" رواه مسلم.

وعن "مصعب بن سعد" عن أبيه قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاءً أي: محنة وشدائد؟ قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

والعبد المؤمن أمام شكره على النعم وصبره على البلاء حتى يجتاز طريق الدنيا ويعود إلى الجنة - موطنه الأصلي - كوعد الله تعالى إياه (فإنه ما حرمه - عز وجل - إلا ليعطيه، ولا أمرضه إلا ليشفيه، ولا أفقره إلا ليغنيه، ولا أماته إلا ليحييه، وما


(١) في تفسير ابن القيم الآية: قال الله تعالى: (كلا) أي: ليس الأمر كما يقول الإنسان، بل قد أبتلي بنعمتي وأنعم ببلائي.
(٢) ابن القيم: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ص ١٢٥ مطبعة الإمام.

<<  <   >  >>