الإسلام مع خصومه، ما لم يبدأوا هم بالعدوان {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
وفي سورتي الأحزاب والتوبة تصدى القرآن - سلمياً - لكثير من ألاعيب المنافقين في حدود الإطار العام لموقف الدعوة منهم.
فقد أرجف المنافقون إرجافاً شنيعاً وقت غزوة الخندق التي تحالفت قريش مع من استطاعت من قبائل العرب على غزو المدينة مقر الدولة الإسلامية الناشئة، وهي المعروفة بغزوة الأحزاب. وكان هدف المنافقين صد الناس عن الخروج مع صاحب الجعوة، لإضعاف قوته، وتمهيداً لانتصار قريش وحلفائها عليه.
فكانوا يشيعون روح التخاذل ويكذّبون وعد الله ورسوله ويقولون:{مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} .
ثم يُحرّضون الناس على الإنسلاخ من قوات الجعوة وينصحونهم بالعودة إلى المدينة ويقولون:{يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} .
ويبدأون بتنفيذ مؤامرتهم الدنيئة فيستأذنون النبي في الرجوع إلى المدينة من ميدان القتال بدعوى حمايوة أموالهم واسرهم من اللصوص:{وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} .
فماذا صنع القرآن إزاء هذا كله؟ لم يخط نحوهم خطوة واحدة فيها أمر بقتالهم والإطاحة بأعناقهم، وسبى نسائهم وذراريهم ومصادرة أموالهم ودورهم، أو حتى حرمانهم من حقوقهم المدنية، بل أقتصر دوره على تكذيبهم وكشف الأسباب الحقيقة لهروبهم ولتثبيط همم الناس ...
ادعوا أن بيوتهم عورة فقال القرآن:{وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} ، ثم أفصح عن السبب الحقيقي الذي حملهم على ما صنعوا:{إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} ، وأنهم بسبب نفاقهم