ذلك كذلك فلم لا يفسر بهذا عدم إطلاقهم التدليس على رواية المخضرمين وأنه تأدب معهم؟ .
ثم هناك جواب آخر في عدم إطلاق التدليس على صنيع الصحابة وعلى صنيع المخضرمين، وهو أن من شرط التدليس أن يكون بغرض إخفاء عيب في الإسناد، ولم يكن غرض أولئك هذا، وإنما كان غرضهم التخفيف، كما قال الحاكم:"ففي هؤلاء الأئمة المذكورين بالتدليس من التابعين جماعة وأتباعهم، غير أني لم أذكرهم، فإن غرضهم من ذكر الرواية أن يدعوا إلى الله عزوجل، فكانوا يقولون: قال فلان ـ لبعض الصحابة ـ، فأما غير التابعين فأغراضهم مختلفة"(١)، وسيأتي شرح هذا مطولاً في المبحث التالي.
فلما انتشر قصد إخفاء عيب في الإسناد عند من بعدهم سمي عملهم كله تدليساً، وإن لم يتحقق وجود هذا الغرض أحياناً.
ثم إن جزم ابن حجر بأن الصواب أن رواية الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه ليس بتدليس ـ إن كان يعني تصويب ذلك من جهة النظر والاجتهاد فهذا شأن، لكن القضية الآن في حكاية اصطلاح الأئمة، فإن كانوا يطلقون على هذا تدليساً لم يكن للتصويب هنا كبير فائدة، إذ هو لا يغير من الواقع شيئاً، فهو اصطلاح قد مضى وانتهى فلا يمكن تغييره، وهذه قاعدة عامة في قضايا مصطلح الحديث ينبغي أن تستقر في أذهان الدارسين، وهي (أن اختيار المتأخر