أنه الراجح، فإذا رجحه الباحث فلابد أن يستحضر القاعدة السابقة المتضمنة أن هذا الترجيح لا يلغي استخدام الأئمة بحال، فإذا وقف الباحث على كلمة لأحد الأئمة يصف فيها شخصاً بالتدليس عن شخص لم يسمع منه فلا يعد هذا تناقضاً؛ لأنه اختار أن التدليس من شرطه أن يكون عمن سمع منه، فهم سائرون على اصطلاحهم، فلا تناقض.
وأهم من ذلك أنه لا يجوز أن نجعل وصف إمام لراوٍ بالتدليس عن شخص إثباتاً لسماعه منه، بناءً على ترجيح ابن حجر لمعنى التدليس، وهو رواية الراوي عمن سمع منه حديثاً لم يسمعه منه، فقد اتضح بجلاء أن الأئمة يطلقون التدليس أيضاً على رواية المعاصر الذي لم يسمع ممن روى عنه.
مثال ذلك أن أباحاتم قال في نقده لحديث رواه زياد بن الربيع، عن هشام ابن حسان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "عليكم بالإثمد عند النوم، فإنه يجلي البصر، وينبت الشعر "، قال:"هذا حديث منكر، لم يروه عن محمد إلا الضعفاء: إسماعيل بن مسلم، ونحوه، ولعل هشام بن حسان أخذه من إسماعيل بن مسلم، فإنه كان يدلس"(١).
فقد سألتني إحدى الباحثات الفاضلات عن قول أبي حاتم:"فإنه كان يدلس"، ما معنى تدليسه عن محمد بن المنكدر وهو لم يذكر في الرواة عنه؟