فقلت لها: ما الذي تعرفينه من تعريف للتدليس؟ قالت: هو ما أخذناه في الدراسة: رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه، فقلت لها: لكن الأئمة يطلقون التدليس كثيراً على غير هذه الصورة أيضاً، فيطلقونه على من روى عن معاصر له لم يسمع منه أبداً، كما في كلمة أبي حاتم هذه، فلا غرابة إذاً، ولا ينبغي أيضاً أن تثبتي منها سماع هشام من محمد بن المنكدر، بناءً على ما كنت تعرفينه عن معنى التدليس.
ومثل ذلك صنيع أحد المشايخ، فإنه ذكر كلمة أبي حاتم هذه ثم أجاب عنها، وصحح الإسناد، قال في الجواب:"لم أر من رماه بالتدليس مطلقاً، وإنما تكلموا في روايته عن الحسن، وعطاء خاصة؛ لأنه يرسل عنهما، كما قال أبوداود ... ، وهذا الحديث من روايته عن محمد بن المنكدر، فلا مجال لإعلاله".
وعلى هذا الكلام مناقشات من عدة أوجه، لكن موضع الشاهد هنا هو أن الباحث فهم من رمي أبي حاتم له بالتدليس: أنه دلَّس عمن سمع منه، وليس الأمر كذلك، ويحتاج إلى إثبات سماعه من محمد بن المنكدر، وكلمة أبي حاتم هذه لا تفيد هذا ـ كما تقدم ـ، فإنهم يطلقون التدليس على رواية الراوي عن معاصر لم يسمع منه. وقضية الانتباه لاختلاف الاصطلاح مهمة جداً، فلا يصح حمل كلام إمام على كلام إمام آخر يخالفه في الاصطلاح، في هذا العلم وغيره، ومثال ذلك ما وقع فيه أحد الباحثين في مسألتنا هذه، فإنه فسر مراد مسلم بأن الأئمة يتفقدون السماع إذا كان الراوي معروفاً بالتدليس مشهوراً به ـ فسره بأن يصفه أكثر من إمام بالتدليس ولا يلزم إكثاره منه، ومن ضمن ما استدل به على